آخر الاخبار

shadow

دور القضاء الدستوري وأهميته ما بين العراق وتونس

أ.د أمين عاطف صليبا

    طالعتنا صحيفة الشرق الأوسط بعددها الصادر الأثنين الفائت الأول من نيسان، بمقالتين (ص3 و9). تحدثت في الأولى نقلاً عن مراسلها في بغداد ، عن لقاء جرى بين السفيرة الأميركية ورئيس الحزب الديمقراطي في أربيل ، تناول الإجتماع عدة قضايا مشتركة ما بين مصالح الإقليم والمصالح الأميركية ، ومن الواضح والأكيد أن سعادة السفيرة تُدرك بأنه لا يمكن أن تكون تقاطع تلك المصالح مُخالفة الدستور العراقي الذي يُعمل به إن على صعيد المركز ، أم على صعيد الإقليم،ولأن الموضوع يتصل في عمقه بالسياسة، فمن الطبيعي أن لا نتدخل بهدف سبر أغوار هذا اللقاء،لكنه استوقفنا الموقف المُتخذ المنسوب الى حضرة الرئيس ، من أن النظرة في الإقليم تتمحور حول عنوان واحد يتعلق بالمحكمة الإتحادية العليا وبأنها ليست شرعية ، وأن قراراتها لها وجهة (جنبة) سياسية. من الطبيعي ومن موقعنا الأكاديمي وتجردنا عن الأسباب التي أدت الى تكوين هذا الرأي ، نرى من واجبنا لفت النظر بأن هذه المحكمة تتألف من بشر (قضاة) ، لكنها في أي نظام سياسي ، تُشكِّل صمام الأمان للنظام الجمهوري الإتحادي ، بمساعدة من يُفترض أن يكون الى جانبها - ( مجلس الاتحاد الذي لم يُبصر النور بعد) - لمنع أي تخلخل سياسي وإداري لهذا النظام ، وخاصة في العراق كون شعبها أعتمده من خلال الإستفتاء عليه ، وكان شعب الأقليم من أكثر المتحمسين الى إعتماد هذا النظام ، بعد أن أدرك أن لعبة التقاطع الدولي والأقليمي أستبعد ولادة دولة مستقلة في أقليم اربيل ، الذي كان – ولا يزال – منذ 1993 يتمتع بإستقلالية غير مسبوقة في كل الأنظمة الإتحادية المشابهة.

ولهذا ولأننا بشر هذا يعني بأننا لسنا بمعصومين ، وعليه فإن النظرة السلبية الى قرار المحكمة بإلغاء كوتا الأقليات لا يمكن أن يكون وحده السبب في هذا التقييم السلبي للمحكمة ، ومن قال أنه غير قابل للعدول عنه في أي قانون إنتخابي جديد !! لماذا؟ لأن كوتا الأقليات ليست سوى نوع من التمييز الإيجابي الذي كرسّه دستور2005 لتحقيق المساواة بين كل مكونات الشعب العراقي ! لذلك نعود للمطالبة بأن تُبعِد السياسة هجماتها المركزة على المحكمة الإتحادية ، ونعتها بأنها غير شرعية ، حيث أن هذا التوصيف لا يمكن التسليم بصحته ، إذ يزلزل النظام السياسي بأكمله في أي نظام إتحادي ، فكم بالحري ستكون الارتدادات في العراق من جراء ذلك ، بغياب الصمام الثاني للنظام ، عنينا بذلك مجلس الإتحاد .  مطلوب التروي من الجميع المؤيدين لهذه المحكمة أو معارضيها ، والبحث بين الطرفين على طاولة مستديرة لتوضيح ما يجب توضيحه والاتفاق على النقاط المشتركة التي تجمع ولا تُفرق والدخول عند الإقتضاء في تفاصيل قانونها ونظامها الداخلي ، لتحقيق الأمان القانوني في كل ما يتعلق بالنظام الإتحادي. وبإنتقالنا الى ما ورد في الصفحة (9) من الجريدة عينها فيما يتعلق بتونس ، تحت عنوان "ضغوط لإرساء المحكمة الدستورية وتنظيم العلاقة بين غرفتي البرلمان" تقرير ممتاز يقتضي التوقف عنده ، لأن النظام في تونس لجهة تركيبته السياسية يقوم على ثنائية المجلسين ( مجلس نواب الشعب ، والمجلس الوطني للجهات والأقاليم ) حيث لا يمكن المقارنة بين دور رئيس الجمهورية في العراق وتونس ، كون الأخير يتمتع بصلاحيات واسعة كون النظام مبني على نظرية "النظام شبه الرئاسي" المطبقة في فرنسا. لكن أود الإختصار بأن أنقل حرفياً ما ورد من مطالب على لسان المعارضة ، وفق الآتي : "نبّهت حركة(حق) - [ وهي إئتلاف سياسي معارض ويضم حركة مشروع تونس/مجموعة الشباب البديل/حراك درع الوطن ] – من خطورة الذهاب الى انتخابات رئاسية في غياب المحكمة الدستورية ، وطالبت بالتسريع في تعيين جميع اعضائها ، الراجع لرئيس الجمهورية وحده ، من أجل إرساء دولة الحق والقانون . " وأكدت أن احد أبرز أخطاء مرحلة ما بعد إقرار دستور 2014 هو:" التلكؤ في إرساء المحكمة الدستورية..."وقد طالب "احمد نجيب الشابي" رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة الى "أنه من اهم شروط المعارضة للمشاركة في هذه الانتخابات – الرئاسية – هو تركيز المحكمة الدستورية".

من هذه المواقف المختصرة من تلك المقالة ، يُستنتج أنه مهما كان الموقف السياسي – لا سيما من قبل المعارضة - تجاه القضاء الدستوري يجب التوحد حوله كونه يُشكِّل خشبة الخلاص للنظم الاتحادية ، وحتى النظم السياسية الأخرى . هنا تعود بي الذاكرة لبداية أبحاثي عام 1996 حول القضاء الدستوري ، حيث أكتشفت أن الحزب الإشتراكي الفرنسي برئاسة الرئيس الراحل فرنسوا ميتران ، كان من أشد المعارضين والرافضين لوجود المجلس الدستوري ، وكانت أقلام الإشتراكيين حتى القانونيين منهم ، لا يوفرون أي مناسبة إلا ويوجهون الإتهامات – حتى ما هو مسيء ويدخل بالأمور الشخصية - لإعضاء المجلس الدستوري ، وبقي الحزب الإشتراكي على موقفه الرافض ونعوته المسيئة ، الى أن وصل الرئيس ميتران عام 1980 الى الرئاسة وشغلها لدورتين (14 سنة) وعندما هوجم المجلس الدستوري من قبل كتلة نواب الحزب الاشتراكي في المجلسين ، وتمّ وصفه بأسوء النعوت بسبب إبطاله بعض مواد قانون التأميم عام 1982، سارع الرئيس ميتران الى دعوة مجلس الوزراء للإنعقاد ، وخلافاً لكل البروتوكول الفرنسي،أعتذر في الجلسة من رئيس المجلس الدستوري شخصياً، ومن الأعضاء ، لكونهم تعرضوا للإساءة من قبل كتلة الحزب الإشتراكي الذي اوصله الى سدة الرئاسة .

أعود للتاريخ لأوضح بأن القاضي الدستوري يجب أن لا توجّه له الكتل السياسية سهام التجريح والاساءة ، لأنه في النهاية يجب أن يبقى هذا القاضي فوق التجاذبات ، حيث لنا بموقف المعارضة التونسية لجهة التمسك بوجود المحكمة الدستورية ، خير دليل على اهمية دور القاضي الدستوري ، لأنه  سيكون الضامن الأساسي للحياة السياسية وضبط الأمور ما بين الموالاة والمعارضة ، التي قد يتخللها مطبات كبيرة يقتضي معالجتها بالحكمة والروية حفاظاً على الوطن وإستمراره.

 

مواضيع ذات صلة