آخر الاخبار

shadow

سلطة المحكمة الاتحادية العليا في تقرير العيب الجزئي في النص التشريعي تعليق على قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم(192/اتحادية/2023) الصادر في تاريخ 21 /11 /2023

المستشار القانوني / الدكتور عباس مجيد الشمري

لقد أرست المحكمة الاتحادية العليا في هذا القرار الآلية الدستورية ، بشأن تقرير العيب الجزئي وفق الاختصاصات الممنوحة لها بأحكام الدستور وقانونها والنظام الداخلي لها من خلال هذا القرار ، بعد ان أعادت صياغة النص الوارد بأحكام قانون تنظيم عمل المستشارين رقم (3) لسنة 2022  ، اذ تضمن القرار الآتي ( اولاً : الحكم بعدم دستورية البندين ( ثالثاً وخامساً من المادة (1) من قانون تنظيم عمل المستشارين رقم (3) لسنة 2022 .

ثانياً: التصدي والحكم بعدم دستورية عبارة ( في رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء والوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة ) الواردة في البند (رابعاً) من المادة(1) من قانون تنظيم عمل المستشارين رقم (3) لسنة 2022 ويكون نص البند المذكور بالشكل الاتي ( يعين المستشار بمرسوم جمهوري بناءً على موافقة مجلس النواب وتوصية مجلس الوزراء بتعيين المستشار المقترح من رئاسة الجهة التي يعين فيها) ) وبشأن القرار نسجل الآتي : 

اولاً : أُقيمت الدعوى بناءً على الطعن المقدم من رئيس مجلس الوزراء بأحكام البندين (ثالثاً وخامساً) من المادة (1) من قانون تنظيم عمل المستشارين رقم (3) لسنة 2022 ، واستندت الطعون الى ان تشريع البنود انفاً كان من خلال اضافتها من قـِبـَل السلطة التشريعية بخلاف صلاحيتها ، ومن خلال الطعن المقدم من رئيس مجلس الوزراء بوصفه ممثلاً للسلطة التنفيذية على انها احد السلطات الثلاث ([1] ، ولم يكن ضمن المشروع الحكومي عند اقرار القانون من مجلس النواب، فضلاً عما تضمنته اللائحة من ان تشريع البنود انفاً يرتب أعباء مالية على  الخزينة  العامة  ، ويعني الاقرار بالتعيينات السابقة للمستشارين ، بينما قد تكون الجهة التي كلفتهم لا ترغب بتعيينهم بمناصبهم بخلاف ما تضمنته احكام القانون انفاً.

ثانياً: إستند القرار الى ان ما ورد بأحكام قانون تنظيم عمل المستشارين رقم (3) لسنة 2022 ، يخالف ما جاء بأحكام المادة (61/خامساً) من احكام دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، التي نصت على ( خامساً:- الموافقة على تعيين كل من : أ- رئيس واعضاء محكمة التمييز الاتحادية ، ورئيس الادعاء العام ، ورئيس هيئة الإشراف القضائي ، بالأغلبية المطلقة ، بناءً على اقتراح من مجلس القضاء الأعلى .ب- السفراء واصحاب الدرجات الخاصة ، باقتراح من مجلس الوزراء . ج- رئيس اركان الجيش، ومعاونيه ، ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق ، ورئيس جهاز المخابرات ، بناءً على اقتراح من مجلس الوزراء ) ، وان النص تضمن بصورة واضحة ان الموافقة على تعيين اصحاب الدرجات الخاصة يعد من اختصاص مجلس النواب بعد التوصية بالتعيين من قبل مجلس الوزراء وفق  احكام المادة (80/خامساً) من الدستور التي تنص على (خامساً: التوصية الى مجلس النواب، بالموافقة على تعيين وكلاء الوزارات والسفراء واصحاب الدرجات الخاصة، ورئيس اركان الجيش ومعاونيه، ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق، ورئيس جهاز المخابرات الوطني، ورؤساء الاجهزة الأمنية ).

ثالثاً : تضمن القرار ملخص الى دفوع طرفي الدعوى ، وبينت المحكمة الاتحادية العليا ان المحكمة سبق ان بينت بقرارات سابقة ان انعقاد الصلاحية الى السلطتين التشريعية او القضائية بتعيين الدرجات الخاصة وفق الاختصاصات الممنوحة لها ، لا يعني ان تكون مخالفة لأحكام  الدستور ، وان المفترض قانوناً ان يكون ممارسة الصلاحيات من قبل كل سلطة بموجب اختصاصاتها ، لأن الأصل قيام السلطة التشريعية بإصدار القوانين بما يلاءم أحكام الدستور او تحديد الاطار القانوني الرئيسي لغرض اصدار التشربعات الفرعية من اجهزة السلطة التنفيذية ، كما في اصدار التشريعات من مؤسسات الدولة كافة على وفق الصلاحيات الممنوحة لها ([2]).

رابعاً : بينت المحكمة ان الفصل بين السلطات هو المبدأ الدستوري الذي يستند إليه وكيل المدعى عليه لغرض التأكيد على صلاحية السلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب بتعيين المستشارين فيها غير كافٍ ، لغرض رد الدعوى ، لأن الفصل بين السلطات لا يعني الفصل المطلق ، إنما ان يكون هناك تعاون بين السلطات بما يؤدي الى ان تقوم الدولة باعبائها وفق أحكام الدستور ، وقامت المحكمة ببيان بعض الاختصاصات للسلطتين التشريعية و التنفيذية بما يعزز الرأي المذكور انفاً ، اذ ان ممارسة السلطة التشريعية لاختصاصاتها يجب ان تكون وفق مهامها المحددة بالدستور ([3]).

خامساً : بينت المحكمة عند مناقشة الدفوع بأن القرار المرقم (140 وموحدتها 141/ اتحادية/2018) الصادر بتاريخ 23 /12 /2018 ، والذي تضمن بأن تعيين المستشارين في مجلس النواب وفق أحكام المادة (50) من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018 ، التي نصت على (أولاً: للمجلس عدد من المستشارين بمكاتب متخصصة ضمن تشكيلات وملاك المجلس ، ويكونون مسؤولين عن تقديم الرأي والمشورة للرئيس ولنائبيه وللجان النيابية وللنواب وفق ضوابط يصدرها الرئيس بالتوافق مع نائبيه . ثانياً: يرتبط المستشارون بالرئيس ونائبيه ويكونون مسؤولين أمامهم ، وتحدد صلاحياتهم واختصاصاتهم ومهامهم بتعليمات يصدرها الرئيس بالتوافق مع نائبيه . ثالثاً: يعين المستشارون بأمر نيابي وبموافقة المجلس بناءً على اقتراح من الرئيس بالتوافق مع نائبيه ويصدر مرسوم جمهوري بذلك، ويُعَد المستشارون المعينون في المجلس والصادر بتعيينهم مرسوم جمهوري قبل نفاذ هذا القانون مستشارين لاغراض تنفيذه .) ، وان التعيين للمستشارين لا يتضمن مخالفة الى احكام المادة(61/خامساً) من احكام الدستور ، وذلك لأن المحكمة ترى ان درجة المستشار التي نظمتها أحكام المادة المذكورة آنفاً تختلف عن درجة (المستشار) كدرجة خاصة (عليا أ) التي نظمها أحكام قانون تنظيم عمل المستشارين رقم (3) لسنة2022 على الرغم من ان درجة المستشار  نظمها احكام القرار (1077) لسنة 1981 ، والتي اضيفت الى وظائف الدرجات الخاصة  واصبحت تدخل ضمن أحكام المادة (61/خامساً) من الدستور ، وعليه فإن المحكمة بينت بوجود درجة اخرى ،  ومن ثم يجب على وزارة المالية ان تبيّن هذه الدرجة ، لا سيما ان وجود هذه الدرجة الوظيفية يستلزم بيان الوضع الوظيفي والمركز القانوني لشاغليها والراتب الذي يتقاضاه وهم المستشارون في مجلس النواب المشار إليهم انفاً.

سادساً: تُعَد رقابة القضاء الدستوري من الضمانات المهمة التي لا تخلو الدساتير حالياً من ادراجها ضمن نصوصها ([4])، فضلاً من ان رقابة الاغفال التشريعي من الموضوعات المهمة ،لا سيما ان المحاكم الدستورية منها من يأخذ بذلك من خلال إشعار السلطة التشريعية بالقيام بمهامها بإصدار التشريع المطلوب او تعديله بما يتلاءم مع الدستور او تقوم هي بتقرير ان النص المطعون به يُعد غير دستوري وتقوم هي بصياغة النص بما يكون موافقاً لأحكام الدستور كما فعلت المحكمة الاتحادية العليا ، وتأخذ بعض المحاكم بذلك كما في المحكمة الدستورية  في مصر أو المجلس الدستوري في فرنسا ([5].

سابعاً: يمكن ان نستخلص أهم المبادئ التي بينتها المحكمة الاتحادية العليا بشأن ماجاء بأحكام القرار من خلال الرقابة الدستورية التي تمارسها وفق احكام الدستور بعد الحكم بعدم الدستورية لأحكام البند     ( ثالثاً وخامساً ) من قانون تنظيم عمل المستشارين ، ومن ثم الغاء جزء من النص القانوني في البند    (رابعاً) من القانون المذكور آنفاً، بسبب ما قررته كونه انحرافاً تشريعياً، وانها لديها الصلاحية بتعديل الانحراف التشريعي ، لا سيما ان القرار أشار ضمنياً بالرد على القول بشأن صلاحية المحاكم الدستورية بتعديل النصوص المخالفة لأحكام الدستور ، وبينت أن ذلك لا يعني التدخل بعمل السلطة التشريعية ، إنما يعني تعديل النص بما يجعله متوافقاً مع أحكام الدستور ، وانها تمارس سلطتها باعادة السلطة التشريعية الى جادة الدستور ([6])، ويمكن القول إن تصحيح النص المطعون بعدم دستوريته لا يعني تدخلاً بعمل السلطة التشريعية ، لأن صلاحيات المحكمة الاتحادية العليا ما هي إلا استكمال متطلبات مطابقة النص المطعون فيه الى احكام الدستور، وذلك لا يعني خرقاً لمبدأ الفصل بين السلطات، انما ترسيخاً له ، لأن السلطة القضائية لم تكن خصماً للسلطتين التشريعية او التنفيذية ، ولذلك فأنه لا مثلبة على ما يصدر منها وفق الصلاحيات الممنوحة لها ([7].

ثامناً : استناداً لما تقدمفإن ماجاء بالقرار موضوع هذه الدراسة كان متوافقاً مع احكام الدستور وما تسير عليه اغلب المحاكم الدستورية، ولعل من أهمها توجّه المحكمة الدستورية في مصر، وكذلك موقف المجلس الدستوري الفرنسي ، لأن رقابة المحكمة الاتحادية العليا يجب ان تكون رقابة شاملة انسجاماً مع احكام المادة (93/اولاً ) من الدستور، وان عدم الغاء الجزء المعيب من نص القانون بعدم الدستورية يعني الابقاء على النص المخالف لاحكام الدستور وهو ما لا يستقيم مع المنطق القانوني السليم ، طالما ان المحكمة لم تصدر تشريعاً هو من صلاحيات السلطة التشريعية ، ونرى ان ذلك لا يعد تدخلاً ، انما هو من اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا وحسناً فعلت.

المصادر

  1. د.حميد حنون خالد، مبادئ القانون الدستوري، دار السنهوري، بيروت، 2015
  2. د.سامي جمال الدين، القانون الدستوري والشرعية الدستورية على ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا، ط،2 منشاة المعارف، الإسكندرية، 2005
  3. د.عدنان عاجل عبيد، القانون الدستوري، ط2، مؤسسة النبراس للطباعة والنشر والتوزيع، النجف الاشرف، 2013
  4. د.عبد العزير محمد سليمان ، رقابة الاغفال في القضاء الدستوري ، بحث منشور على شبكة المعلومات الدولية(الانترنت) على الموقع الالكتروني www.iraqidevelopers.com
  5. د.عمر العبد الله ، الرقابة على دستورية القوانين، مجلة جامعة دمشق، المجلد 17،العدد2، 2001.
  6. د.فهد يوسف عبدالله الجمعة، موقف المحكمة الدستورية في الكويت من الرقابة على الاغفال التشريعي، مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، جامعة الاسكندرية، المجلد 1، العدد2، 2023
  7. د.محمد وحيد ابو يونس، الرقابة الدستورية على الاغفال التشريعي في قضاء المحكمة الدستورية العليا، مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، جامعة الاسكندرية، المجلد 1، العدد2، 2020


([1])انظر د.عمر العبد الله ، الرقابة على دستورية القوانين، مجلة جامعة دمشق، المجلد 17،العدد2، 2001، ص21، وحميد حنون خالد، مبادئ القانون الدستوري، دار السنهوري، بيروت، 2015، ص372.

([2])انظر د.محمد وحيد ابو يونس، الرقابة الدستورية على الاغفال التشريعي في قضاء المحكمة الدستورية العليا، مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، جامعة الاسكندرية، المجلد 1، العدد2، 2020، ص360.

([3])انظر د.محمد وحيد ابو يونس، المصدر السابق، ص351، سامي جمال الدين، القانون الدستوري والشرعية الدستورية على ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا، ط،2 منشاة المعارف، الإسكندرية، 2005،ص245.

([4])انظر د.عمر العبد الله ، مصدر سابق، ص23.

([5])انظر د.عبد العزير محمد سليمان ، رقابة الاغفال في القضاء الدستوري ، بحث منشور على شبكة المعلومات الدولية(الانترنت) على الموقع الالكتروني www.iraqidevelopers.com، سامي جمال الدين، مصدر سابق، ص142، ود.عدنان عاجل عبيد، القانون الدستوري، ط2، مؤسسة النبراس للطباعة والنشر والتوزيع، النجف الاشرف، 2013، ص136.

([6])انظر د.محمد وحيد ابو يونس، مصدر سابق، ص365.

([7])اتظر د.فهد يوسف عبدالله الجمعة، موقف المحكمة الدستورية في الكويت من الرقابة على الاغفال التشريعي، مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، جامعة الاسكندرية، المجلد 1، العدد2، 2023، ص63.



مواضيع ذات صلة