آخر الاخبار

shadow

تعزيز سلطان القانون وصون الدستور: تحليل قانوني للقرار رقم 9/اتحادية/٢٠٢٣

د. رائد البلداوي

في قرارها التاريخي بالعدد 9/اتحادية/2023، تبنت المحكمة الاتحادية العليا في العراق منهجاً متطوراً في تفسير وتطبيق القوانين والدستور، مع التركيز على حماية النزاهة، الديمقراطية وصون الحقوق السياسية. تناولت المحكمة في قرارها الأساليب المستخدمة من قِبَل قادة الأحزاب السياسية في إجبار المرشحين على تقديم طلبات استقالة مسبقة واحتفاظهم بها لاستخدامها وفقاً لأهوائهم الشخصية، ما يشكل انتهاكاً صريحاً للمبادئ الدستورية ويتعارض مباشرة مع المواد 5، 6، 14، 16، 17، 20، 39 و50 من الدستور العراقي.

من خلال هذا الحكم، أعلنت المحكمة الاتحادية العليا بشكل قاطع عن التزامها بحماية الحقوق السياسية للمواطنين وتعزيز الإطار الديمقراطي في العراق. تُشدد الإجراءات المذكورة في الحكم على خطورة ممارسات إجبار المرشحين على تقديم استقالاتهم المسبقة، وهي تُعد انحرافاً خطيراً عن مسار الديمقراطية الصحيح، وانتهاكاً لمبدأ الاختيار الحر والإرادة المستقلة. كما يُعبر الحكم عن فهم عميق لضرورة المحافظة على النزاهة والشفافية في العملية السياسية ويؤكد دور المحكمة بوصفه داعماً أساسياً للديمقراطية وحقوق الإنسان.

أظهرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق تفهماً عميقاً وتطبيقاً دقيقاً للإطار الدستوري والقانوني، مؤكدة بذلك سلطتها القضائية الكاملة في إنهاء عضوية النواب الذين يخرقون التزاماتهم الدستورية والقانونية. استند القرار إلى الأحكام الواردة في الدستور العراقي وقانون مجلس النواب وتشكيلاته، مع التركيز على الحنث باليمين الدستورية كمثال بارز على المخالفات التي لا يمكن التسامح معها. هذا الخرق يمنح المحكمة سلطة تقديرية واسعة في تقييم الأدلة والوقائع وإجراء التحقيقات اللازمة للوقوف على حقيقة التصرفات ومسؤولية النواب.

ترتبط سلطة المحكمة الرقابية ارتباطاً وثيقاً بالواجبات المنوطة بالنواب وفق المادة (10/سابعاً) من قانون مجلس النواب وتشكيلاته، والتي تُلزم النواب بالحفاظ على احترام وهيبة المجلس والمؤسسات الدستورية. وهذا الواجب القانوني والأخلاقي يشكل جزءاً أساسياً من المسؤوليات التي يجب على كل نائب احترامها والتقيّد بها. أي تصرف يتعارض مع هذا الواجب يعتبر خرقاً للمادة (12/ثالثاً) من القانون نفسه، والتي تنص على انتهاء النيابة في المجلس عند فقدان أحد شروط النيابة المنصوص عليها في الدستور والقانون.

يُبرز القرار الدور الحيوي للمحكمة الاتحادية العليا في الحفاظ على النظام الديمقراطي وتعزيز سيادة القانون في العراق. تتمتع المحكمة بسلطة تقديرية واسعة في تحديد ما إذا كانت التصرفات الفردية لأعضاء البرلمان تُشكل خرقاً لواجباتهم الدستورية والقانونية، وهو ما يمكن أن يشكل أساساً لإنهاء عضويتهم. وهذه السلطة تُعزز دور المحكمة بوصفها جهة حامية للنظام القانوني والدستوري في العراق وتؤكد على دورها الأساسي في ضمان تطبيق القانون والمحافظة على النظام الديمقراطي.

يتجلى في القرار التفسير الدقيق للإطار الدستوري الخاص بمساءلة النواب. يُعتبر الحنث باليمين الدستورية خرقاً جسيماً لا يمكن التغاضي عنه، ويُعد أساساً مقنعاً لإنهاء عضوية النائب المخالف. ويُظهَر القرار بوضوح أن المادة 52 من الدستور، التي تعطي طابعاً نهائياً لقرارات مجلس النواب بشأن صحة عضوية أعضائه، لا تعفي الأعضاء من المسؤولية عند ارتكاب مخالفات جوهرية تهدد النظام الدستوري.

تبرهن المحكمة الاتحادية العليا على إلتزامها الراسخ بحماية النظام الديمقراطي وتعزيز سيادة القانون. تُعد هذه الخطوة بمثابة تأكيد صارم على أن الانحرافات عن المبادئ القانونية والدستورية لن تُترك دون مساءلة، مع تطبيق إجراءات قانونية حازمة لضمان العدالة والنزاهة. يُمثل هذا القرار تطوراً مهماً في تاريخ القضاء العراقي، مما يُعزز من مكانة المحكمة بوصفها حارساً أميناً للنظام القانوني والدستوري في البلاد.

يُشكل القرار أيضاً شهادة على التزام المحكمة الاتحادية العليا بالمحافظة على مبادئ العدالة والنزاهة في إطار عملها. يُرسل هذا الحكم رسالة قوية وواضحة إلى جميع المسؤولين بأهمية الالتزام الجاد بالواجبات الدستورية والقانونية. يُشدد على أن التجاوزات والانتهاكات لن تُغفل وستواجه بإجراءات قانونية محددة تتماشى مع أعلى معايير العدالة والأخلاق.

هذا القرار يُعد خطوة أساسية نحو تأسيس دعائم الحكم الرشيد والشفاف في العراق، ويضمن إدارة العملية الديمقراطية وفقاً لأعلى المعايير القانونية والأخلاقية. يُبرز القرار أهمية الدور الذي تلعبه المحكمة في ترسيخ أسس دولة القانون والمساهمة في تعزيز الثقة في النظام القضائي والسياسي في العراق.

 

مواضيع ذات صلة