آخر الاخبار

shadow

قراءة قانونية لحكم المحكمة الاتحادية العليا العراقية بالعدد: ١٥٨/اتحادية/٢٠٢٣

بقلم الخبير القانوني رائد البلداوي، نائب رئيس هيئة دعاوى الملكية

   ضمن إطار الهيكل القانوني، يشكل القضاء ركنًا حيويًا لتأمين استقرار الوطن وصون حقوق المواطنين. القضاء هو الملاذ الأخير للمظلومين وملجأ الضعفاء، وفي ظل تكامل دور القضاء والتشريع والتنفيذ، يظل القضاء هو السلطة التي تكفل تطبيق القانون بشكل عادل ومنصف.

الحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا بالعدد 158/ اتحادية /2023 في 13 /9 /2023 المتضمن رد دعوى المدعي للطعن بدستورية المادة ( 19 / رابعاً ) من القانون رقم (30 ) لسنة 2019 ( قانون التعديل الاول لقانون هيئة النزاهة ) التي نصت على انه ( تحكم المحكمة برد قيمة الكسب غير المشروع ولا يطلق سراح المحكومين وفق البندين ( ثانياً وثالثاً ) من هذه المادة الا بعد سداد مبلغ الغرامة ورد قيمة الكسب غير المشروع ولا يحول انقضاء الدعوى الجزائية بالوفاة دون تنفيذ الحكم برد قيمة الكسب غير المشروع ،  يشكل فصلًا هامًا في القضاء العراقي ).

 النظر في المعطيات والأسس التي قوّض عليها هذا القرار يُظهر التزام المحكمة بتطبيق العدالة والحد من آفة الفساد.

من الجدير بالذكر أن فهم طبيعة الفساد وأثره على الهيكل الاقتصادي والاجتماعي للدولة أمر حيوي.

الفساد الذي تطور ليصبح وباءً في المؤسسات العراقية، يُظهِر الحاجة الماسة لاستراتيجيات فعالة لمكافحته.

في هذا الإطار، يمكن للأحكام الصادرة عن المحكمة الاتحادية العليا أن تؤدي دورًا حاسمًا في تعزيز النزاهة والمحاسبة. من خلال التأمل في الدور المعطى للقضاء، يتضح أن المحكمة تعمل ليس فقط للحفاظ على حقوق الأفراد، ولكن أيضا لحماية المصلحة العامة للشعب العراقي.كما ان  محافظة المحكمة على الموارد المالية للدولة من أبرز أولوياتها.

في التحليل الأولي للقرار، يتضح أن القضية تتمحور حول مدى دستورية بعض التعديلات التي أدخلت على قانون هيأة النزاهة، وخصوصًا المادة رقم (١٩) التي توجب تسديد الكسب غير المشروع. المدعي اعتبر أن التعديلات الجديدة تخالف أحكام الدستور العراقي وقواعد العدالة وحقوق الإنسان، خصوصاً فيما يتعلق ببقاء الجاني موقوفاً ومقيّد الحرية بعد انتهاء مدة محكوميته.

من جهة أخرى، استند المدعى عليه إلى أن هذا القانون يعتبر خيارًا تشريعيًا بحتًا، وأنه جاء لحماية المال العام من الاختلاس والكسب غير المشروع. وفي هذا السياق، يظهر جليًا أن المحكمة كانت تحاول البحث عن التوازن بين حماية حقوق الإنسان وحماية المال العام.

بناءً على ما سبق، نجد أن المحكمة تستحق الثناء على التمعن الشديد في نصوص الدستور وفي تقدير التوازن بين حماية حقوق الإنسان وبين حماية المال العام. الحكم لم يكن ناتجًا عن تسرع أو اندفاع، بل كان ناتجًا عن دراسة معمقة وتحليل دقيق.

في الواقع، يعتبر القرار نموذجًا يُظهر كيف يمكن للقضاء أن يتعامل مع التحديات المعقدة والحساسة التي تواجه المجتمع. لقد أظهرت المحكمة الاتحادية العليا من خلال الحكم آنف الذكر قدرتها على فحص القضايا من خلال عدسة قانونية دقيقة، مع الحفاظ على المبادئ العليا للدستور وحقوق الإنسان.

النظر في الحجج التي قدمها المدعي والأخذ بعين الاعتبار لمصلحة المجتمع وحماية المال العام تظهر حكمة المحكمة ورؤيتها البعيدة المدى. فقد تأكدت من أن تعديلات القانون لم يتم وضعها بصورة عشوائية أو دون مراعاة للتبعات، بل هو ناتج عن تقدير دقيق للحاجات والظروف التي يعيشها المجتمع.

من ناحية أخرى، الحكم أن المحكمة قد اعتبرت أن المادة المطعون بها من قانون هيئة النزاهة لا تتعارض مع الدستور وأنها متوافقة مع المادة (٢٧) منه. إذ يأتي هذا القانون لحماية المال العام ولضمان عدم استغلال المناصب للكسب غير المشروع.

من خلال الحكم آنف الذكر نجد أن المحكمة الاتحادية العليا تسعى إلى تأكيد سيادة القانون وضمان حقوق وحريات المواطنين. ففي ظل الفساد المستشري في العراق، يُعد هذا القرار نقطة تحول مهمة، حيث تسعى المحكمة لإعادة الثقة بالقضاء وضمان حقوق المواطنين.

إلى جانب ذلك، ان حكم المحكمة آنف الذكر اكد بأن مشكلة الفساد ليست مجرد مشكلة قانونية، بل هي تحديًا اجتماعيًا واقتصاديًا يتطلب جهودًا مشتركة من جميع أطياف المجتمع. وعلى هذا الأساس، فإن القرار لم يكن موجهًا فقط للمعنيين بالقضية، ولكنه كان رسالة إلى الشعب العراقي بأكمله، مؤكدًا على أن المحكمة ستقوم بدورها في الحفاظ على المال العام وحقوق الفرد.

في هذا السياق، يُعد الحكم آنف الذكر ردًا قويًا على الدعوات الشعبية المستمرة لمكافحة الفساد واستعادة الثقة في المؤسسات القانونية. إن الرسالة الرئيسة التي يُرسلها القرار هي أن القضاء العراقي مستمر في العمل بكل جدية واحترافية لضمان حقوق المواطنين وحماية مصلحة الدولة.

وفي ختام هذه القراءة القانونية، يجدر بنا التأكيد على الدور الحيوي الذي يؤديه القضاء في تعزيز الديمقراطية وضمان حقوق الإنسان. إذا كان هناك ما يمكن استخلاصه من هذا الحكم، فهو التزام المحكمة الاتحادية العليا بأعلى معايير النزاهة والشفافية، متحدية كل التحديات لتحقيق مصلحة الشعب العراقي.

مواضيع ذات صلة