آخر الاخبار

shadow

تعليق على قرار المحكمة الاتّحاديّة العليا بالعدد 155/ اتّحاديّة لسنة 2019 وموحدتها 157 و 160 و 161 و 162 و 164 و 165 و 166 و 167 و 168 و 171 / 2019 و 5/اتّحاديّة/2021

د. عباس هادي العقابي - جامعة بغداد

  بخصوص إنهاء عمل مجالس المحافظات غير المنتظمة في الإقليم بمناسبة الدعوى المقامة من رؤساء و أعضاء مجالس المحافظات غير المنتظمة في الإقليم طعنًا بعدم دستوريّة القانون الرّقم 27 لسنة 2019 ( قانون التعديل الثاني لقانون انتخاب مجالس المحافظات والأقضية الرّقم 12 لسنة 2018 )، والذي عُدّل بموجبه الفقرة ثالثًا ، من المادّة 44 التي كانت تنصّ قبل التّعديل على " في حالة تأجيل الانتخابات ؛ " تستمرّ مجالس المحافظات غير المنتظمة ، في الإقليم والأقضية والنّواحي التّابعة لها ، في إدارة شؤونها لحين انتخاب مجالس جديدة"؛ بينما جاء التّعديل في المادّة الأولى من القانون رّقم 27 لسنة 2019 أعلاه : " يعدل البند ثالثًا ، من المادّة 44 من القانون ويحلّ محلّه ما يأتي:

" إنهاء عمل مجالس المحافظات غير المنتظمة في الإقليم ومجالس الأقضية والنّواحي التابعة لها ".

في هذا القرار ردت المحكمة الاتّحاديّة العليا الدعوى, و تبنّت مبادئ مهمّة ؛ ومنها :

1-  في الفقرة (2) من القرار : إنّ تطوّر مفهوم الدّولة يعني بالضرورة تطوّر مفهوم النّظام السّياسيّ لها ؛ فهو واجهتها أمام الأفراد في الدّاخل وأمام الدّول الأخرى في الخارج ، ولم تعد السّلطة حكرًا على فرد أو أفراد يسيّرون النّاس وفقًا لمشيئتهم ، ولم يعد المواطنين رعايا للحاكم ؛ بل أصبحوا رعايا الدّولة ، ولم يعد الحاكم عصيًّا عن المساءلة ؛ لأنّه فوق القانون أو لأنّه هو الدّولة ، وأصبح الحاكم موظّف شأنه في ذلك شـأن الأفراد في الدّولة ، وفي الغالب يُختارون من الشّعب.

في هذا السّياق ؛ نلاحظ أنّ لا احتكار للسّلطة خارج سياقات الدّستور والقانون كون عمليّة الانتخاب هي بمثابة العقد ما بين المرشّح والّناخب ، تنتهي بأجلٍّ محدّد. وهذا الأجل حتمًا محدّد بمدة كافية لقناعة النّاخب بأنّ يجدّد للمرشّح في الانتخابات القادمة من عدمه.

2-  في الفقرة (6) من قرار المحكمة ؛ إنّ أصل وجود مجالس المحافظات هو الدّستور ، فقد نصّت المادّة (122/ رابعًا ) منه على :" يُنظّم بقانون انتخاب مجلس المحافظة والمحافظ وصلاحياتهما؛ " لذلك شرّع مجلس النّواب العراقي القوانين التي تنظّم ذلك ، وأخرها قانون انتخاب مجالس المحافظات والأقضية الرّقم 12 لسنة 2018 المعدّل. فقد تطرقت الفقرات ثالثًا ورابعًا وخامسًا ، من المادّة أنفة الذّكر، الى مجلس المحافظة. وبذلك ؛ فإنّ وجود تلك المجالس حقيقة دستوريّة لا يمكن تجاوزها ، فلا يجوز للسّلطة التشريعّية أن تشرّع قانون يتضمن إلغاء تلك المجالس ؛ لأنّ ذلك يتعارض والدّستور والمبادئ الديمقراطيّة والتداول السّلمي للسلطة.

في الحقيقة نرى أنّه لا يمكن لقانون أن يُلغي دستورًا ؛ لكنّ العكس هو الصحيح ؛ يمكن لدستور أن يشير إلى إلغاء القانون ؛ كون الدّستور أعلى من القانون. وإنّ ورود تشكيل مجالس المحافظات أمر لا بدّ منه ، وإنّ البرلمان ملزم بتشريع هذه القوانين ، كون أساسيّات النّظام في العراق اللامركزية الإداريّة ، وحتّى يكتمل شكل النّظام في العراق شُرّعت القوانين الخاصّة بالمحافظات ومجالسها.

قد يتساءل بعضهم ؛ هنالك كثير من النّصوص الدّستورية قد أشارت إلى عبارة "ويُنظّم بقانون"؛ فلماذا هذه المواد معطلّة ، ولم يشرّع لها قانون ، وأخرى شُرعت ؛ مثل قانون المحافظات وقانون انتخاب مجالس المحافظات والأقضية ؟ يُذكر أنّه ليس من صلاحيّات المحكمة أن تتدخّل في إجبار البرلمان على تشريع قوانين أشار لها الدّستور؛ لأنّ للتشريع أمرًا عُهد به الدّستور إلى السّلطة التشريعيّة في المادّة (61/ أولّا) .

كما وطالب المدّعي باللائحة الجوابيّة المقدّمة والمتضمنة أنّ الدّستور في الباب الخامس/الفصل الثاني جاء تحت عنوان المحافظات التي لم تُنظّم بإقليم، فأوجب تشريع قانون لتنظيم عمل المحافظات. وهذا القانون محلّيّ لخصوصيّة كلّ محافظة عن الأخرى من حيث التركيب السّكانيّ والتّعداد والمساحة الإداريّة ، وإنّ القانون الرّقم (22) لسنة 2008 المعدّل خارج اختصاص مجلس النّواب الذي يختصّ بتشريع القوانين الاتّحاديّة ، وقد سلب حقّ المحافظات في تشريعه.

أجابت المحكمة أنّ مجلس المحافظة وفقًا للإطار العام للمادّة (122 / ثانياً) من الدستور يُعدّ هيئة إداريّة محليّة ، يُعهد إليها تنفيذ الصلاحيّات الإداريّة والماليّة فقط ضمن مبدأ الإداريّة غير المركزيّة ، ولم يعهد الدّستور إليها ممارسة الصّلاحيّات التشريعيّة.

في الحقيقة ؛ تسبيب تُحمد عليه المحكمة الاتّحاديّة العليا ؛ لأنّ البرلمان في الواقع يتألف من 329 نائبًا من جميع محافظات العراق. وإنّ النّائب في البرلمان لا يمثل نفسه أو محافظته. فالقانون الانتخابيّ ؛ وإن قسّم البلد إلى عدة دوائر انتخابيّة ؛ فإنّ النّائب يمثّل الشّعب بمجمله وليس الناخبين في دائرته الانتخابيّة. وهذا ما استقرّت عليه المحكمة الاتّحاديّة العليا، في قراراها بالعدد 38/ اتّحاديّة/ 2023 ، فأي تشريع يُذكر في الدّستور هو حصرًا للسلطة التشريعيّة...

3-  في الفقرة (7) من قرار المحكمة ، أكّدت على أن الانتخاب ركنٌ من أركان اللامركزيّة الإداريّة ؛ حيث لا يمكن تصوّر قيامها من دون انتخابات. وإنّ الانتخاب حقّ لكلّ عراقيّ تتوافر فيه الشّروط المنصوص عليها في قانون الانتخابات. لذلك ؛ فإنّ مصدر تلك الهيئات المحليّة هو الشّعب كونه مصدرًا للسلطات وشرعيّتها، يمارسها بالاقتراع السّريّ العام المباشر، وعبر مؤسّساته الدّستورية وفقًا لما جاء في المادّة (5) من الدّستور. وأكّدت المحكمة على عدم استعمال حقّ الانتخابات، ولكن لا يخوّله هذا الحقّ، بسبب طبيعة التّنازل عنه للغير؛ وحيث إنّ الانتخابات تقوم على مبدأ جوهريّ هو دوريّة إجراؤها بعد انتهاء المدد المحدّدة لها. لذلك ؛ فإنّ استمرار المجالس المنتخبة ، سواء كانت مجالسَ وطنيّة أم هيئات محليّة بعد انتهاء دورتها الانتخابيّة ، يمثّل خرقًا لحقّ الشّعب في التّصويت والانتخابات والترشيح ، وتجاوزًا لإرادة النّاخب.

نلاحظ أنّ المحكمة أكدت مبدأً جوهريًا ؛ وهو دوريّة الانتخابات؛ لأنّ الانفراد بالسّلطة واحتكارها يؤدّي إلى مخالفة دستوريّة للمادّة الأولى التي أكّدت أنّ : "جمهورية العراق دولة اتّحاديّة واحدة مستقلّة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريّ نيابيّ برلمانيّ ديمقراطيّ..."؛ وإنّ الديمقراطيّة أقرب صورها في مجال الانتخابات هو تداول السّلمي للسلطة ، وإنّ البقاء في السّلطة المحدّدة بالقانون يُعدّ سلبًا لإرادة النّاخب والمرشح الواردة في المادّتين (5 و6 ) من الدّستور.

4-  جاء في الفقرة (11) ، من القرار، أنّ وكيل المدّعي دفع بعدم دستوريّة المادّة (3) من قانون الرّقم (27) لسنة 2019، والادّعاء بأنّها مخالفة لأحكام المادّة (61) من الدّستور، من خلال إعطاء الحقّ لمجلس النّواب بالإشراف والرّقابة على أعمال المحافظ ونائبيه.

تجد هذه المحكمة أنّ الرّقابة هي الركن الأساسيّ لقيام النّظام غير المركزيّ ، وتكمن أهميّتها في الحفاظ على الوحدة السّياسيّة والقانونيّة للدولة. ذلك ؛ لأنّ الاستقلال المطلق للهيئات المحلّيّة يُهدّد كيان الدّولة ، ويؤدّي إلى عدم التّجانس والانسجام ما بين السّلطات الاتّحاديّة والهيئات المحلّية.

هنالك نوعان من الرّقابة؛ وهما:

  • النّوع الأوّل: الرّقابة البرلمانيّة
  • النّوع الثاني: الرّقابة الإداريّة

إنّ الرّقابة البرلمانيّة ، بموجب المادّة (61 ) من الدّستور، يقوم بها مجلس النّواب ؛ بالإضافة إلى مهمّة التّشريع ، ويمارس تلك الرّقابة على أداء السّلطة التنفيذيّة. ومواكبةً لذلك ؛ فقد خصّ المشرّع ، بموجب المادّة (2/ثالثًا) من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم مجالس المحافظات لرّقابة مجلس النّواب.

5-  الفقرة (12)، من قرار المحكمة مهمّ جدًّا، ويدحض جميع الاتّهامات التي توجّه إلى المحكمة.

فالدفع بعدم سريان قانون الرّقم 27 لسنة 2019 على مجالس المحافظات المنتظمة في الإقليم ، ويًقصد بها المحافظات التابعة لأقليم كردستان العراق ، فإنّ هذه المحكمة تجد أنّ الأسباب الموجبة لتشريع القانون الرّقم 12 لسنة 2018 المعدّل ، قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية ، هو لغرض إجراء انتخابات حرّة ونزيهة في المحافظات غير المنتظمة في الإقليم والأقضية التّابعة لها.

من جانب أخر؛ فإنّ مجالس المحافظات والأقضية والنّواحي، في إقليم كردستان ، تخضع لقانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي في إقليم كردستان العراق الرّقم 4 لسنة 2009، عليه لا توجد مخالفة دستوريّة بهذا الصّدد.

ليس للمحكمة أن تتصدّى من تلقاء نفسها إلى قانون غير مطعون به ، لكن للمحكمة في حال النظر في دعوى لمناسبة طعن ضد نصّ في القانون . ان وجدت في القانون نصًّا مخالفًا للدستور، ولم يُطعن به. هنا المحكمة تتصدّى لذلك النّص استنادًا إلى المادّة (46) من النّظام الدّاخليّ للمحكمة الاتّحاديّة العليا الرّقم (1) لسنة 2022 : " للمحكمة عند النّظر في الطّعن بعدم دستوريّة نصّ تشريعيّ أن تتصدّى لعدم دستوريّة أي نصّ تشريعيّ اخر يتعلّق في النّص المطعون فيه ".

في ختام التعليق على القرار أعلاه ؛ نودّ التوضيح أنّ المحكمة الاتّحاديّة تراعي المصالح العامّة للشعب العراقيّ بما أملاه عليها الدّستور، وأنّ القاضي الدّستوريّ هو الحارس على احترام القوانين للحقوق والحريّات الأساسيّة المكرّسة دستوريّا. كما قال "مونتسكيو": "يوجد، في كلّ دولة ، ثلاثة أنواع للسلطات، وهي السّلطة التشريعيّة ، سلطة تنفيذ الأمور الخاضعة لحقوق الأمم ، سلطة تنفيذ الأمور الخاضعة للحقوق المدنيّة (القضائيّة) ….فلا تكون الحرّية مطلقًا إذا ما اجتمعت السّلطة التشريعيّة والسّلطة التنفيذيّة في شخص واحد أو في هيئة حاكمة واحدة."

هذه دلالة على عدالة الدّستور العراقيّ عندما جعل مبدأ الفصل بين السّلطات حاضرًا، في المادّة 47 منه، وعندما منح للمحكمة الاتّحاديّة سلطة الفصل في الرّقابة على دستوريّة القوانين... 

مواضيع ذات صلة