آخر الاخبار

shadow

الاتحادية العليا...وحماية الامن والتعايش السلمي

د.احمد طلال عبد الحميد البدري

    اصدرت المحكمة الاتحادية العليا أمراً ولائياً بالعدد ( ٢١٣ / اتحادية / امر ولائي / ٢٠٢٣ ) في ٣ / ٩ / ٢٠٢٣ يقضي بإيقاف تنفيذ امر رئيس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المسلحة المتضمن إخلاء وتسليم مقر قيادة قيادات عمليات كركوك خاليا من الشواغل الى الحزب الديمقراطي الكردستاني ولنا على هذا الامر التعليق الاتي :

١. ان امر رئيس الوزراء صدر لإخلاء جهة حكومية رسمية وهي قيادة عمليات كركوك والوحدات المرتبطة بها وتسليم مقرها لجهة حزبية تنفيذاً لاتفاقات سياسية سابقة على تشكيل الحكومة وتم ادراجها ضمن البرنامج الحكومي تحت باب أو عنوان حق ممارسة جميع الاحزاب السياسية بما فيها الكردية نشاطها وفعالياتها السياسية والدستورية في محافظة كركوك  ، ومن المعروف ان حق ممارسة الانشطة السياسية للاحزاب مكفول بموجب الدستور ، وبموجب قانون الاحزاب السياسية رقم (٣٦) لسنة ٢٠١٥ المعدل، إلا ان الموضوع في حقيقته يتعلق بصراع المكونات العرقية والسياسية للسيطرة على محافظة كركوك لاهميتها من الناحية الجيوسياسية والطوبغرافية وغناها بالثروات الطبيعية  ، فضلاً عن الطبيعة الخاصة لهذه المحافظة كونها تضم عرقيات أو اقليات متنوعة برز دورها بالمطالبة بحقوقها السياسية بعد صدور دستور جمهورية العراق لسنة ٢٠٠٥ الذي كرّس الحماية الدستورية لحقوق هذه الاقليات .

٢. ان تحريك القطعات العسكرية هو من اختصاص القائد العام للقوات المسلحة ، إلا ان تسليم مقر قيادة عمليات كركوك وهو مبنى حكومي عائديته للدولة تحديداً وزارة المالية الى جهة حزبية لها دور في الصراع السياسي للسيطرة على محافظة كركوك تشكل مخالفة لقانون الاحزاب السياسية رقم (٣٦) لسنة ٢٠١٥  ، اذ حددت المادة (٣٣) منه مصادر تمويل الاحزاب على سبيل الحصر ، كما حظرت المادة (٣٧/ اولاً) منه على الاحزاب السياسية استلام التبرعات من المؤسسات والشركات العامة الممولة ذاتياً ومن الشركات التجارية والمصرفية التي يكون جزء من رأس مالها للدولة ، وبالتالي فإن شغل عقارات تعود للدولة بدون مقابل يعد غصباً لها ، كما اجاز القانون للاحزاب السياسية امتلاك العقارات لاتخاذها مقرات لها أو لفروعها من مصادر تمويلها استنادا للمادة (٣٤) من القانون ، اذ بامكان الحزب شراء أو استئجار العقارات لاغراض شغلها كمقرات لها بدلاً من شغل العقارات العامة أو الخاصة دون سند من القانون او بدون بدلات للانتفاع منها .

٣. ان المحكمة الاتحادية العليا قد لجأت لاصدار امر ولائي بإيقاف تنفيذ  أمر رئيس الوزراء المشار إليه في اعلاه استناداً لأحكام المادة (٣٩) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم (١) لسنة ٢٠٢٢ والتي نصت على ان ( للمحكمة النظر في طلبات القضاء المستعجل والاوامر على العرائض وفقا للاحكام المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية رقم (٨٣) لسنة ١٩٦٩ المعدل أو أي قانون اخر يحل محله ) ، وللقضاء المستعجل أهمية خاصة في الحياة القضائية لانه يعمل على الحماية الاستباقية للحق الموضوعي ومراكز احد الخصوم القانونية ، وبالرجوع الى قانون المرافعات المدنية نجد ان القضاء المستعجل يمتاز بخصائص أهمها تتمثل في كونه قضاءً وقتياً وتحفظياً ومشمولاً بالنفاذ العجل ، الا ان القرار الصادر فيه لايحوز حجية الحكم البات كونه لايمس اصل الحق المتنازع فيه ، وانما يهدف الى حماية احد المتقاضين بإجراء مبكر يسبق صدور الحكم الفاصل بالنزاع ، ولذلك يرى اتجاه ان قرارات القضاء المستعجل لاتقطع التقادم إلا إذا كان مضمون الطلب المطالبة بحق موضوعي وليس مجرد تثبيت حالة على أمل إقامة دعوى لاحقة للمطالبة بالحق موضوع الدعوى ، لذلك فإن المحكمة تلجأ لحالات الاستعجال عند توافر شروط موضوعية معينة تستنتجها المحكمة واهم شرط هو تحقق حالة الاستعجال،  وهي حالة متروك تقديرها لمحكمة الموضوع حسب ظروف وملابسات الدعوى والمستندات المقدمة ، والتي يفترض ان تبقى هذه الحالة قائمة لحين الفصل بالدعوى، باعتبار ان قرار رئيس مجلس الوزراء يتضمن مساساً وخرقاً للدستور وتحديدا المادة (١٠٩) منه ، التي اوجبت على جميع السلطات الاتحادية الحفاظ على وحدة العراق وسلامته واستقلاله ونظامه الديمقراطي الاتحادي ، حيث استشعرت المحكمة ان المساس بأمن محافظة كركوك من شأنه تهديد أمن وسلامة العراق وتهديد الامن والتعايش السلمي للاقليات المتعايشة في تلك المحافظة بسبب الخصوصية والاهمية التي أشرنا إليها سابقا ، حيث جاء في حيثيات قرارها  ( ... وحيث ان الحفاظ على أمن محافظة كركوك بما يضمن الحفاظ على أرواح المواطنين فيها من مسؤولية جميع السلطات الاتحادية  ، لذا فإن ذلك يقتضي بذل الجهود كافة لدوام التعايش التاريخي بين الأكراد والعرب والتركمان في كركوك وتغليب مصلحة العراق والعراقيين بكل قومياتهم على المصالح الحزبية والقومية ...) ، وبذلك استشعرت المحكمة بضرورة التدخل الوقائي التحفظي لمنع هذا الاخلال بالامن والتعايش التاريخي لسكنة المحافظة من مختلف القوميات والاقليات ، وهي بذلك قد غلبت المصلحة الوطنية لفئات الشعب وقومياته كافة على المصالح الحزبية والقومية لفئة معينة وهذه المصلحة الوطنية جديرة بالحماية وتقديمها على المصالح الاخرى .

٤. اشارت المحكمة الاتحادية العليا في قرارها الى ديباجة دستور جمهورية العراق لسنة ٣٠٠٥ واستلهمت منه أهمية الوحدة الوطنية أرضاً وشعباً بكل قومياته واديانه التي اعتادت على التعايش السلمي فيه ، وهي بذلك اعطت لديباجة الدستور نفس القيمه القانونية الملزمة للقواعد الموضوعية الواردة فيه .

٥. نلاحظ ان المحكمة الاتحادية العليا قد راعت شرط الجدية في قرارها بوقف تنفيذ أمر رئيس مجلس الوزراء المطعون فيه بالرغم من كون قانون المرافعات المدنية لم يتعرض لهذا الشرط ، بعد ان استنتجت واستشعرت المحكمة خطورة الاستمرار في تنفيذ القرار المذكور على التعايش السلمي في المحافظة وجدية الاثار والمخاطر المترتبة على تنفيذه ، وهذه الخطورة تحمل في طياتها داعياً أو مبرراً لإلغاء القرار المذكور لاحقاً ، لذلك فإن قرارات القضاء المستعجل في وقف تنفيذ القرارات أو القوانين تحمل في طياتها ترجيحاً لتوجه المحكمة لإلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء محل الطعن تم استخلاصه من خطورة الاثار المترتبة على تنفيذ هذا القرار وأهمية المصلحة المتحققة من الغاءه  ...والله الموفق .

مواضيع ذات صلة