آخر الاخبار

shadow

دور القضاء الدستوري في رسم السياسة التعليمية

أ.د. علي هادي الهلالي / عميد كلية القانون / جامعة بغداد

  تؤدي المحاكم الدستورية أو العليا دوراً واضحاً في رسم السياسات العامة وأخصها السياسة التعليمية فضلاً عن الرقابة على تنفيذها ، وهذا ما أدته المحكمة الدستورية العليا المصرية ، وأظن أنه شكل حافزاً للجامعات المصرية أن تدخل في سباق التصنيفات العالمية واخصها ظهور سبع جامعات مصرية في تصنيف شنغهاي العالمي لسنة 2023 ضمن الالف الاول ، فقد كرست المحكمة الدستورية ، مثلاً ، مساند السياسة التعليمية باستقلال الجامعات و مراكز البحث العلمي وربطته بحاجات المجتمع والإنتاج ، كما رسخت الحرية المطلقة للبحث العلمي ومنعت تقيدها بل فرضت على الدولة توفير وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق حرية البحث العلمي ، وربطت المحكمة استقلال الجامعات وحرية البحث فيها بغاية كلية هي المحافظة على المكانة الحضارية للدولة حين قضت :" إن ثمرة هذه الحرية هي التقدم العلمي كمفتاح أمل واحد ووحيد لاستعادة مصر مكانها ومكانتها الحضارية "(1) .

   ويظهر لنا أن المحكمة الدستورية في مصر قيدت بناء السياسة التعليمية بقيدين هما : استقلال الجامعات ، وحرية البحث العلمي ، إذ لابد أن يكون وضع سياسة التعليم متقيدا بهما حتى تحقق مراميها في تلبية حاجات المجتمع والابقاء على المكانة الحضارية للدولة ، وإن كل سياسة تعليمية يتم وضعها في التشريع أو التشريعات الفرعية تتنكر لتلك القيود تكون متصادمة مع الحق في التعليم والحق في البحث العلمي وحقوق اخرى ثابتة في الدستور ، وكأن استقلال الجامعات من مقتضيات تحقيق السياسة التعليمية لاهدافها وتأدية الجامعات لدورها في خدمة المجتمع وحاجاته .

   أما المحكمة الاتحادية العليا فقد سندت تدخلها في السياسة التعليمية واضعة اسسها وضوابطها وملامحها ، إذ حددت اسسها: بالمساواة وتكافؤ الفرص التعليمية و توفيرها في الداخل ومعايير الرصانة العلمية (2) ، مستندة الى احكام الدستور الصريحة والضمنية وهي : تأكيد الدستور على أن العراق مهد الحضارة  وصناع الكتابة (3) ، وحق التعليم باللغة الام (4) ، والحق في التعليم (5) ، جاعلة من السياسة التعليمية تهدف الى التطور والنماء الاقتصادي والاجتماعي (6) .

   ويظهر أن المحكمة بينت دالة لنجاح السياسة التعليمية بوجوب تحقيقها التطور والنماء الاقتصادي والاجتماعي ، وهذا مصداق للتعليم المنتج فكرياً واقتصادياً وينكر على التعليم اقتصاره على الانتاج الكمي أو العددي ومخرجاته غير المؤثرة في البناء والتطور ، فالمحكمة ترسم ملامح السياسة التعليمية الناجحة بقدرتها على البناء والتطور، أي: الانتقال بالواقع الاقتصادي وما يتصل به من علوم وتكنلوجيا وبناء واعمار واكتشافات وانتاج وسواها .

   ووكدت المحكمة رؤيتها القضائية في رسم السياسة التعليمية الناجحة والمنتجة عندما قرنتها بمؤشرات ودوال عدة اخصها : تحقيق الابداع والرصانة العلمية واعتماد معايير الجودة العلمية الدولية و تلبية احتياجات خطط التنمية و المساهمة في النمو الاقتصادي والاجتماعي والتقدم الصناعي وتحقيق التقدم العلمي والاكتفاء في مجالات الحياة الاقتصادية والتجارية والزراعية والتكنلوجية والعسكرية (7) .   

   لذا فإن المحكمة الاتحادية وكدت أن تحقيق مرامي السياسة التعليمية مرتهن باستقلال الجامعات وبخاصة عندما قضت بوقف تنفيذ قرار حكومي بتغيير أحد رؤوساء الجامعات (8) بما يكفل استقلال الجامعات (9) ، وربطت نجاح السياسة التعليمية بذلك الاستقلال حين قضت :" ان استقرار السياسة المتبعة لكل جامعة يمثل جزءاً مهماً من نجاح المسيرة التعليمية لها وأن تلك السياسة يجب أن تستمد قوتها من القدرات والمهارات التي تمتلكها القيادات الاكاديمية والادارية للكليات ضمن الجامعة الواحدة "(10).

   ويظهر التقارب جلياً في التوجه بين المحكمة الدستورية العليا في مصر والمحكمة الاتحادية العليا في العراق واجماعهما على كون استقلال الجامعات وحرية البحث العلمي تقودان الى تحقيق اهداف السياسة التعليمية بالنمو والانتاج والتطور ، لكن الفارق بينهما بعدم دخول الجامعات العراقية للتصنيفات التي دخلت فيها الجامعات المصرية الى حد الآن.

الهوامش والمصادر

((1)) القضية برقم 131 لسنة 22 قضائية "دستورية" / المحكمة الدستورية العليا/لسنة 2002 

((2)) القضية بالعدد: ٤٦ وموحدتيها ٥٠ و /٥١اتحادية٢٠٢٠/ في ٢٠٢١/١٠/٢٧

((3)) ديباجة دستور جمهورية العراق لسنة 2005 .

((4)) المادة /٤ اولاً من الدستور نفسه .

((5)) المادة /٣٤اولاً من الدستور نفسه .

((6)) القضية بالعدد: ٤٦ وموحدتيها ٥٠ نفسها .

((7)) القضية بالعدد: 97/اتحادية/2021 في 30 / 3 / 2022 .

((8)) القضية بالعدد: 97/اتحادية/ لسنة 2021 في 30 /3 /2022 .

((9)) أ.د. علي هادي الهلالي . دور القضاء الدستوري في ضمان استقلال الجامعات ، مقالة منشورة على موقع المحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 15/ 8 / 2021 www.iraqfsc.iq

((10)) القضية بالعدد: 97 نفسها .

 

مواضيع ذات صلة