آخر الاخبار

shadow

الولاية التكميلية للمحكمة الاتحادية العليا

أ.د. علي هادي عطية الهلالي / عميد كلية القانون - جامعة بغداد

   للمحكمة الاتحادية العليا ولاية عامة في ضوء اختصاصاتها المحددة في الدستور((1)) ، والقانون ((2)) ، وتتمتع احكامها بالبتات والالزام بمواجهة السلطات كافة ((3)) ، ولكن تتقيد المحكمة ، اسوة بغيرها من المحاكم الدستورية ، بأحكام قانون المرافعات وبخاصة تلك الاحكام التي تتناسب مع طبيعة الدعوى المعروضة أمامها وبخاصة الدعاوى الدستورية ، لذا تلتزم أن تكون أحكامها قابلة للتنفيذ ، بمعنى: أن يصدر الحكم واضحاً جلياً بعيداً عن الابهام واللبس والغموض ، ومحدداً لا يثير اختلافاً في التفسير أو يكون حجة وموطئاً للتأويل أو سبباً لعدم التنفيذ أو التردد أو التماهل فيه ، وبخاصة أن الحكم القضائي الصادر عنها  يسري بمواجهة السلطات كافة ومضامينه ترتبط بعمل تلك السلطات سواءٌ أكان تشريعياً أم تنفيذياً أم انتخابياً أم سياسياً.. الخ ، وهذه المسائل ترتبط بقيم دستورية سامية يرتهن كيان الدولة ووحدتها وسلامتها وأمنها واستمرار العمل بها ، لذا فإن كان الالتزام بأحكام المحكمة الدستورية واجبٌ فمقدماته واجبٌ ايضاً ، ومن أخص مقدماته وضوح الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا .

   ولكن قد تصدر المحكمة أحكاماً خلاف ما تقدم أو يحتج على حكمها ، جدلاً وليس حقيقةً ، أنها صدرت غامضة أو قابلة للتأويل أو أنها تثير اختلافاً في الفهم ، مما يتطلب معرفة مدى سلطة المحكمة الاتحادية في إيضاح احكامها ؟ وإجراءاته ؟ مما يثير مسألة مديات ولايتها التكميلية بعد إصدارها للأحكام ؟

   إذا كانت فرضية صدور حكم من المحكمة الاتحادية يثير الغموض واللبس قائمة ، فإنه لا مناص من تحديد الإجراءات المناسبة لكشف الغموض عن الحكم وإزالة اللبس عنه ، ولكن هل يكون ذلك باتباع الاليات ذاتها المتبعة في تفسير الاحكام القضائية الصادرة عن سائر المحاكم ؟ وهل تملك المحكمة الاتحادية العليا ولاية تكميلية على الاحكام التي تصدر عنها ؟

  إن مما لا شك فيه أن الاحكام الصادرة من المحكمة الاتحادية وأخصها الاحكام الصادرة بالدعاوى الدستورية تتمتع بخصائص وذاتية متميزة عن تلك التي توشح بها سائر الاحكام الصادرة عن سائر المحاكم الأخرى ، كحجيتها المطلقة والزاميتها على من كان طرفاً في الدعوى وغيره ، وبتاتها وعدم قابليتها للطعن ، والتزام سائر سلطات الدولة بتنفيذها بما فيها المحكمة الاتحادية نفسها مصدرة الحكم ((4)) ، وتؤثر هذه الخصائص بقبول تطبيق اجراءات طلب تفسير الاحكام القضائية الأخرى المرسومة بقانون التنفيذ على إجراءات تفسير احكام المحكمة الاتحادية وايضاحها ((5)) ، أو قانون المرافعات في القوانين المقارنة ((6)) ، وذلك من نواح عدة أخصها: الجهة أو السلطة التي يحق لها تقديم طلب تفسير حكم المحكمة الاتحادية وبخاصة أن الحكم يسري بمواجهة السلطات كافة وملزم لها جميعها بمجرد صدوره ؟ ، وسلطة المحكمة وولايتها بنظره بعد استنفاذ تلك الولاية والتزامها بالتقيد بالحكم الصادر عنها اسوة بباقي السلطات سواء بسواء؟ ، وأثر طلب التفسير في استمرار نفاذ الحكم القضائي وبخاصة إذا ما تفاوتت درجة وضوح الحكم من سلطة الى سلطة أخرى ، أي: إذا كان الحكم واضحاً لسلطة من سلطات الدولة وغامضاً على سلطة أخرى ؟، وشكلية طلب التفسير فيما اذا كان على وفق دعوى مستوفية الشروط أم طلباً عادياً ؟ ، وهل سيكون تفسير المحكمة الاتحادية بعد استدعاء اطراف الدعوى الاصلين أم لا ، بحسبان أن الدعوى الدستورية ، مثلاً ، دعوى موضوعية بالأصل وليست شخصية ؟ وهل يمكن للمحكمة أن تستغل طلب التفسير في توسعة تفسير نص دستوري أو تطبيقه أو نطاقه وهي تتوارى خلف طلب التفسير ، وهل ستحكم إجراءاتها بقيود ولايتها الاصلية أم ستحكم بولايتها التكميلية التي تستند الى سلطتها ، إن وجدت ، في تفسير الاحكام القضائية الصادرة عنها ؟

   أظن أن السلطات (التشريعية أو التنفيذية ) ملزمة ، من حيث الأصل العام ، بتنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية ، لذا يحق لهذه السلطات أن تطلب تفسير الحكم القضائي الغامض الصادر من المحكمة الاتحادية ، من دون أن يشترط أن يكون الطلب بصيغة دعوى مستوفية الشروط ، ولا يشترط استدعاء من كانوا اطرافاً بالخصومة بالدعوى الاصلية كون الدعاوى المثارة أمام المحكمة الاتحادية ، غالباً ، هي من الدعاوى الموضوعية وليست الشخصية .

   استناداً الى التوجه المتقدم يمكن للسلطة التشريعية أن تطلب إيضاح حكم صادر من المحكمة الاتحادية فيما اذا تضمن مثلاً (الحصانة البرلمانية المشروطة دون إيضاح تلك الشروط ، أو تحديد شرط الأغلبية في اصدار تشريع معين من دون إيضاح نسبة تلك الأغلبية ، أو اشتراط التعويض العادل للاستملاك من دون بيان معايير تحديد ذلك التعويض ، أو العدالة بتوزيع الواردات الاتحادية من دون بيان شروط تحقيق العدالة أو ضوابطها أو دالتها ... الخ ) .

  كما يكون واستناداً للتوجه المتقدم أن تعمل المحكمة على إيضاح معنى الحكم القضائي الصادر عنها استنادا الى مضامينه الموضوعية وبالانفصال عن إرادة متخذيه ، فلا يكون لتغيير هيأة المحكمة أو تغيير بعض أعضائها أو التحاق العضو الاحتياط بدلا عن الأصلي أي أثر يذكر في اظهار معناه أو كشف غموضه ، ثم لا جدال بعد ذلك من كون حكم المحكمة المفسر (بالكسر) هو متمم لحكم المحكمة المفسر (بالفتح) ومندمجاً فيه ، كما لا نقاش كون سريانه يبدأ مع الحكم الأصلي .

  ولكن لا يحق لأية جهة تقرير وقف سريان حكم المحكمة الاتحادية الأصلي بحجة غموضه كون ذلك يخالف الزامية احكام المحكمة الاتحادية الثابت دستورياً طالما لم يكن الغموض الذي لحق جانباً من الحكم لا يؤثر في استمرار نفاذ جوانبه الأخرى ، ولكن للمحكمة الاتحادية أن تقرر وقف تنفيذ جانب الحكم الغامض إذا ما اقتنعت أن الطلب جدياً .

  يبقى من المهم ادراك أن الحكم المفسر (بالكسر) ليس وسيلة بيد المحكمة للتواري خلفه لإنكارها المبتسر للحكم الأصلي ، ولا لتوسعة مضامينه ، ولا للعدول عنه كلا أو جزءاً والا عدت مخالفة لإلزامية احكامها وحجيتها على نفسها فضلاً عن باقي السلطات .

  ومن الضوابط التي نرى العمل بموجبها أن المحكمة الاتحادية تلتزم بنشر حكمها المفسر (بالكسر) في الجريدة الرسمية مثلما تلتزم بنشر احكامها الاصلية المفسرة (بالفتح) ، ولكن إن كان قبول المحكمة الاتحادية طلب التفسير المقدم اليها مباشرة وتقرير جديته بصفة مستعلة ونهائية إلا أن التساؤل فيما إذا قدم طلب التفسير الى محكمة الموضوع (القضاء العادي) ، استناداً الى كونها المحكمة التي تنظر الدعوى التي أثير الدفع بعدم الدستورية أمامها ، وصدر حكم المحكمة الاتحادية بعد ذلك ، وبلغت به محكمة الموضوع ، وأثار غموضاً لدى محكمة الموضوع من تلقاء نفسها أو بدفع أو طلب من أحد الخصوم ؟

   أظن أن محكمة الموضوع تمتلك سلطة تقدير مدى غموض حكم المحكمة الاتحادية من عدمه طالما كانت هي المعنية بتنفيذه وتقرير اثره بحسم الدعوى الاصلية المنظورة أمامها ، ولا تعقيب على تلك السلطة من قبل المحكمة التي تعلوها في الدرجة ، ولا وجهة للطعن برفضها طلب التفسير .

  ولكن رغم ما تقدم تتطلب أحكام طلبات تفسير احكام المحكمة الاتحادية تفصيلاً في النظام الداخلي المرتقب للمحكمة ، أو في التعديلات التشريعية القادمة للمحكمة الاتحادية ، كون الولاية التكميلية للمحكمة تحتاج الى تدعيمها وبيان شروطها واجراءاتها بسند قانوني صريح .

((1)) {المادة/93 من دستور 2005 }

((2)) {المادة/ 4 من الامر رقم 30 لسنة 2005 المعدل بموجب القانون رقم 25 لسنة 2021 }

((3)) {المادة/94 من دستور 2005 }

((4)) { أ.د. علي هادي الهلالي (وأخرون) ﺣﺟﯾﺔ ﻗرارات اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹﺗﺣﺎدﯾﺔ اﻟﻌﻠﯾﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ ﻧﻔﺳﮭﺎ -ﻓﻲ ﺿوء أﺣﻛﺎم اﻟدﺳﺗور ،واﻟﻘﺿﺎء ، واﻟﻔﻘﮫ  } بحث منشور ، 2013 .

((5)) { المادة /10 من قانون التنفيذ رقم 45 لسنة 1980 المعدل النافذ}

((6)) { المادة /192 من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري رقم 13 لسنة 1986 المصري }          

مواضيع ذات صلة