آخر الاخبار

shadow

تعليق على قرار المحكمة الاتحادية العليا : بالعدد ( 15 / اتحادية / 2020) في 26 /1/ 2020

القاضي الدكتور حيدر علي نوري

    عانت الدساتير ، في ظل الدولة العراقية منذ تأسيسها ، من انتهاكات احكامها المتكررة والمستمرة بلا رادع ، نتيجة لغياب الرقابة القضائية او عدم ممارسة الجهات التي تتولى ممارستها لدورها في حال  وجودها ،  حتى اصبحت تلك الرقابة حبرا على ورق ، ولاسيما ان دستور عام 1970 المؤقت ، خلا من الاشارة اليها ، فتغولت السلطة التنفيذية بعض احكامه وتحيفت السلطة التشريعية المتبقي منها ، كنتيجة منطقية لسيطرة الانظمة الدكتاتورية الحاكمة في تلك الحقبة ، الى ان حدث التغيير في النظام الدستوري والسياسي بعد عام 2003 ، القائم على اساس الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الانسان وأحكام الدستور ، ولضمان تطبيق تلك المفاهيم على صعيد الواقع  ، صدر الامر التشريعي رقم 30 لسنة 2005 ،المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 3996  في 17 /3/ 2005 ، الذي تم بموجبه انشاء المحكمة الاتحادية العليا ، كما تأكد وجود المحكمة الاتحادية بأحكام دستور جمهورية العراق لعام 2005 ، المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 4012  في 28 / 12 / 2005  ، تتمتع باستقلال مالي وإداري وتكون قراراتها ملزمة وباتة للسلطات كافة  ، استنادا لأحكام المادتين (92 / اولا و94  ) من الدستور انف الذكر اذ عدت المحكمة الاتحادية من مكونات السلطة القضائية الاتحادية وورد ذكرها بعد مجلس القضاء الاعلى بالمادة  (89 ) من الدستور ، كما بينت المادة (92 / ثانيا ) منه تشكيلتها وأعضائها ، وطريقة اختيارهم وعمل المحكمة ، وينظم ذلك بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب ، وقد استبشر العراقيون خيرا بوجود قضاء دستوري متخصص من شانه حماية احكام الدستور وضمان سموه ومنع انتهاكه بالتشريعات والقرارات الصادرة من السلطات والمؤسسات في الدولة العراقية ، إلا ان القرار الصادر من المحكمة الاتحادية العليا  بالعدد 15 / اتحادية / 2020 في 26 /1/ 2020 ،اثار استغراب المختصين بالشؤون الدستورية والقانونية لما تضمنه من افكار ومبادئ خرجت بها المحكمة الاتحادية عن السياقات العامة المتبعة في عملها والكيفية التي تصدر بها قراراتها ، الامر الذي يقتضي مناقشته و بحثة والتعليق عليه من خلال بيان مضمونه ومحتواه ، ومن ثم بيان الملاحظات الشكلية والموضوعية المتعلقة  بموضوع صحة النصاب القانوني لانعقاد المحكمة ، وأسباب صدوره ، ومدى اتفاقه مع احكام الدستور وقانون المحكمة الاتحادية العليا ونظامها الداخلي ، وهذا ما سنتناوله في البنود الثلاثة التالية وكما يلي:

البند الاول  – مضمون القرار  :

1-تشكيل المحكمة : تشكلت المحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 26/1/2020 برئاسة القاضي السيد (م . أ ) وعضوية القضاة السادة (ج. ن . ح )  و ( أ .ط . م ) و ( أ . أ  .ب )  و( م. ص . أ ) و ( ع. ص . أ)  و ( م . ش . ق  )  و (ح . ع . أ)  و (م . ر . ب)  المأذونين بالقضاء بأسم الشعب وأصدرت قرارها الاتي:

2-عنوان القرار : جاء القرار بعنوان (موجبات الانعقاد) : ونص فيه على انه لغرض التداول بالشؤون المتعلقة بالمحكمة الاتحادية العليا في ضوء ما توفر من أمور صدرت من جهات لا شأن لها بشؤون المحكمة الاتحادية العليا و لاسند لها في ذلك من الدستور والقانون وذلك بعد صدور المرسوم الجمهوري المرقم (4) المؤرخ في 20/1/2020 بتعيين القاضي السيد (م. ر .ب)  العضو الاحتياط في المحكمة عضواً أصلياً في المحكمة والذي مارس مهامه فيها منذ تعيينه عضواً احتياطاً بموجب المرسوم الجمهوري المرقم (118) لسنة 2014 وقد مارس مهامه قبل وبعد احالته على التقاعد من عضوية محكمة التمييز الاتحادية بالاستناد الى أحكام المادة (6/ثالثاً) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) النافذ بتأريخ 17/3/2005 والتي تنص على ((يستمر رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا بالخدمة دون تحديد حد اعلى للعمر، إلا إذا رغب بترك الخدمة)) .  4-تسبيب المحكمة ووجهة نظرها : تضمن تسبيب القرار ما يلي : ( تجد المحكمة الاتحادية العليا أن تعيين العضو الاحتياط فيها عضواً اصلياً ووفقاً للسياقات الدستورية لم يكن في تكييفه الفقهي إلا تثبيت عضوية ذلك العضو في المحكمة ، لأن ذلك التعيين لا يغير من شخصيته ولا من مهامه التي كان يمارسها كعضو احتياط عن مهامه التي يمارسها كعضو أصيل )  وأن ما اثير بخلاف ذلك من تفسيرات ومن اجتهادات القت الشك في الشرعية الدستورية وبدون سند لها من الدستور والقانون وان ذلك لا يغير من الحقيقة التي تقدم ذكرها ، لأن مرد تفسير الدستور ومدلولاته وحسم الخلافات والمنازعات اختصاص حصري من اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا بموجب المادة (4) من قانونها والذي كرست احكامه المادة (93) من الدستور وأن قيام أية جهة بهذه المهمة يشكل مخالفة لقانونها وخرقاً لأحكام الدستور وان أي قرار تصدره تلك الجهة خارج اختصاصاتها يعد خرقاً للدستور ومعدوماً ،   لذا تجد المحكمة الاتحادية العليا أن تثبيت القاضي (م . ر . ب . ك )  من عضو احتياط الى عضو اصيل ووفق السياقات الدستورية اجراء دستوري لا يجوز المساس به إذ لا يوجد نص في الدستور او القانون يمنع من ذلك وما دام العضو الاحتياط متمتعاً بالشروط الدستورية والقانونية لعضو المحكمة المعين بصفة اصلية.

5-مفهوم الاستقلالية من وجهة نظر المحكمة الاتحادية : ترى المحكمة الاتحادية العليا انه "بات أي تدخل بشأن ترشيح وتعيين قضاة المحكمة الاتحادية العليا تدخلاً باستقلاليتها وخرقاً لأحكام المادة (92/اولاً) من الدستور ونصها ((المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية مستقلة مالياً و ادارياً )) .

6-الحل الذي تطرحه المحكمة الاتحادية : لمعالجة حالة الفراغ القانوني الخاص بتعين اعضائها بعد الغاء النصوص التي كانت تعالج ذلك : تكمن وجهة نظر المحكمة الاتحادية بأن : ( مناط ذلك سيكون وفقاً لأحكام قانون المحكمة الاتحادية العليا الذي رفع مشروعه من مجلس الوزراء ووضعت المحكمة الاتحادية ملاحظتها عليه المنظور حالياً من مجلس النواب) .

7-هل يستوجب تعين عضو احتياط في المحكمة الاتحادية العليا ، متقاعد من محكمة التمييز الاتحادية بصفة عضو اصلي في المحكمة ألاتحادية حلف اليمين لممارسة مهامه :  وفقا للقرار انف الذكر فإن ( المحكمة الاتحادية العليا ناقشت في جلستها المشار اليها موضوع حلف عضو المحكمة القاضي (م . ر . ب . ك ) اليمين المنصوص عليها في المادة (7) من قانون المحكمة الاتحادية العليا مجدداً ، الذي جرى تثبيته عضواً اصلياً فيها بعدما كان قد حلف اليمين وفق اصولها عند تعيينه عضواً احتياطاً فيها ومارس مهامه قبل وبعد احالته على التقاعد كرئيس للهيئة الاستئنافية في محكمة التمييز الاتحادية ، وترى المحكمة الاتحادية عند ذكرها استعراضا تاريخيا للمادة (7) وتطبيقها ، ان رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا حلفوا اليمين بموجبها عند تعيينهم امام (مجلس الرئاسة) المشكل بموجب المادة (السادسة والثلاثين) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية النافذ بتاريخ 8/3/2004 والذي كان مختلفاً بتركيبته الثلاثية وفي اختصاصاته عن اختصاصات            (رئيس الجمهورية) المنصوص عليها في المادة (73) من دستور جمهورية العراق النافذ بتاريخ  28/12/2005" ،  أن (مجلس الرئاسة) قد الغي بموجب المادة (138/اولاً) من الدستور وعدم ايراد صلاحية حلف رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا امام رئيس الجمهورية في المادة (73) من دستور جمهورية العراق النافذ  ، لذا أصبحت الجهة التي يتم حلف اليمين القانونية المنصوص عليها في المادة (7) من قانون المحكمة الاتحادية العليا امامها غير محددة دستورياً او قانونياً عند تعيين قاض جديد في المحكمة ، لذا تم التداول في حينه مع رئاسة الجمهورية حول ذلك ، وتم الرأي بأن يحلف العضو الجديد في المحكمة امام رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا ولحين تشريع قانون جديد للمحكمة بموجب المادة (92) من الدستور وهذا ما سار العمل عليه عند تعيين عضو جديد في المحكمة اصلياً كان او احتياطاً وتجد المحكمة الاتحادية العليا أن القاضي السيد  ( م . ر . ب . ك ) وعند تعيينه عضواً احتياطاً وفق السياقات الدستورية كان قد أدى اليمين وفق اصولها امام رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا ومارس مهامه بعدها ولا زال وان تعيينه عضواً اصلياً بموجب التكليف الفقهي لم يكن إلا تثبيتاً وامتداداً لعضويته في المحكمة ) ، وقضت المحكمة في نهاية قرارها بأنه ( لا حاجة لإعادة ترديده اليمين المنصوص عليها في المادة (7) من قانون المحكمة الاتحادية العليا وصدر القرار بالاتفاق في 26/1/2020) .

البند الثاني – الملاحظات الشكلية : 

1-فيما يتعلق باختصاص المحكمة الاتحادية  ، أن التوصيف القانوني السليم للمحكمة الاتحادية هو انها هيئة قضائية بكل ما تحمله الصفة القضائية للهيئة من معنى استنادا للأحكام الصادرة منها في مرافعة وبناء على دعوى تقام امامها من ذي مصلحة تطبق بخصوصها احكام قانون المرافعات والقوانين الساندة الاخرى بالقدر الذي ينسجم مع خصوصيتها المنصوص عليها في الامر التشريعي الخاص بتأسيها وأحكام الدستور ، بمناسبة صدور قانون متعارض او منتهك لأحكام الدستور على سبيل المثال لا الحصر اضافة الى اختصاصاتها الاخرى المنصوص عليه في المادة (93 ) من الدستور انف الذكر ، كما حددت ( الفقرة ثانياً من المادة الرابعة ) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم(30) لسنة 2005 ، اختصاص المحكمة في ( الفصل في المنازعات المتعلقة بشرعية القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات والأوامر الصادرة من أية جهة تملك حق  إصدارها  ... ويكون ذلك بناء على طلب من محكمة أو جهة رسمية أو مدعٍ بمصلحة ) ، ولم يكن من بين تلك الاختصاصات  البت بموضوع مناقشة التكيف الفقهي لتعين عضو احتياط فيها ، متقاعد من محكمة التمييز ، بصفة عضو اصيل ، في محاولة لتبرير صحة المرسوم الجمهوري الصادر بتعينه استنادا الى اسانيد تثير الاستغراب والتأمل ، بحجة ان ( تعيين العضو الاحتياط فيها عضواً اصلياً ووفقاً للسياقات الدستورية لم يكن في تكييفه الفقهي إلا تثبيت عضوية ذلك العضو في المحكمة ، لأن ذلك التعيين لا يغير من شخصيته ولا من مهامه التي كان يمارسها كعضو احتياط عن مهامه التي يمارسها كعضو اصيل ) ، من دون ملاحظة ان السن القانوني لإحالة القاضي او عضو الادعاء العام على التقاعد بموجب قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1969 المعدل هو ( اكمال 63 سنة ) من العمر ، إلا ان قانون تمديد خدمة القضاة  رقم  39  لسنة  2012  ، منح مجلس القضاء الاعلى صلاحية  تمديد خدمة القاضي وعضو الادعاء العام من غير العاملين في محكمة التمييز الاتحادية الى اكمال  سن (66 سنة ) و(68 سنة ) كحد اعلى بالنسبة الى  رئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية متى تحققت الحاجة الماسة الى خدماته وتأيد بتقرير طبي من جهة مختصة قابلية وقدرته البدنية والذهنية على الاستمرار ، ولا يجوز بعده  احالة القاضي على التقاعد ، اعادة تعينه بصفة قاضي لأي سبب سواء اكان ذلك في المحاكم العادية او محكمة التمييز الاتحادية او المحكمة الاتحادية العليا ، لعدم وجود سند قانوني يجوز ذلك ، اما بالنسبة الى أحكام المادة (6/ثالثاً) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) النافذ بتأريخ 17/3/2005 ، التي نصت على انه  (يستمر رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا بالخدمة دون تحديد حد اعلى للعمر ، إلا إذا رغب بترك الخدمة)  ، فان النص انف الذكر ينطبق على القضاة الاصليين في المحكمة الاتحادية العليا ولا يسري على القضاة الاحتياط فيها ، وعلى اساس ما تقدم فان المحكمة الاتحادية بانعقادها المشار اليه وفقا للقرار محل البحث قد تجاوز حدود صلاحياتها واختصاصاتها المشار اليها في الدستور وفي قانون تأسيسها ونظامها الداخلي ،الامر الذي انعكس سلبا على المؤسسة القضائية الدستورية برمتها .

 2-ان انعقاد المحكمه الاتحادية العليا وإصدار قراراها موضوع البحث بعنوان ( موجبات الانعقاد ) يتعارض مع المبادئ العامة لانعقاد المحكمة الاتحادية والأسباب التي تقتضي انعقادها و تدخلها لإصدار قرار ، وان ذلك يؤكد ان المحكمة انعقدت وأصدرت قرارها بلا خصومه ومن دون اقامة دعوى امامها ، في سابقة خطيرة وغريبة ،  تجاوزت بها ، احكام الدستور والقوانين ، والأعراف الدستورية القضائية السائدة ، وخرجت عن المألوف والثابت في القضاء الدستوري المقارن .

3-ان القرار انف الذكر صدر بلا خصومة تذكر ، مما يعني ان المحكمة الاتحادية انعقدت بلا خصومة ومن دون مناسبة اقامة دعوى او تقديم طلب للبت فيه من اية جهة ، وفي ذلك مخالفة لأحكام ( الفقرة ثانياً من المادة الرابعة ) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم(30) لسنة 2005 ، التي بينت اختصاص المحكمة  ، وبينت في عجزها مبررات انعقادها ، اذ نصت على انه (  ... ويكون ذلك بناء على طلب من محكمة أو جهة رسمية أو مدعٍ بمصلحة ) ، مما يعني ان المحكمة بانعقادها وبالقرار الصادر منها ، محل البحث ، خالفت احكام ( الفقرة ثانيا من المادة الرابعة ) من قانون المحكمة الاتحادية العليا انف الذكر بلا مبرر .

4-نصت المادة (8/ أولا) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 على إنه ( رئيس المحكمة الاتحادية العليا مسؤول عن إدارتها وله تخويل بعض من صلاحياته إلى أحد أعضاء المحكمة . ثانياً : يعين رئيس المحكمة الاتحادية العليا موظفي المحكمة وينظر في شؤونهم كافة ) ، وبذلك حصرت هذه المادة إدارة المحكمة الاتحادية العليا  برئيسها ، وهو الذي يتولى تعين موظفيها والنظر في شؤونهم ، كما أعطت المادة ذاتها الحق لرئيس المحكمة تخويل بعض صلاحياته الى احد أعضاء المحكمة ، إلا ان الفكرة التي تبنتها المحكمة الاتحادية العليا في العراق هي اناطة مهمة ادارة المحكمة ، بمدير عام يتولى اداراتها من الناحية المالية والإدارية بالإضافة الى اختصاصاته القانونية التي تتعلق باتخاذ بعض القرارات الاعدادية المتعلقة بقبول الدعوى واستيفاء الرسم عنها وتعيين موعد المرافعة وقبول لوائح الخصوم وتبليغ الخصوم وذي العلاقة وتهيئة الدعوى لأعضاء المحكمة ، وان هذه الصلاحيات التي تمارس من قبل المدير العام  لم ينص عليها قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 ولا نظامها الداخلي رقم (1) لسنة 2005 ، كما أن الهيكل التنظيمي للمحكمة الاتحادية العليا ، هو الاخر لا سند له من القانون ، وإذا كان الامر كذلك ، فليس من صلاحيات رئيس المحكمة الاتحادية العليا  وفقا لأحكام الدستور والقانون  تعين عضو احتياط متقاعد من محكمة التمييز الاتحادية ، بصفة عضو اصلي فيها ، ولا ترشيحه للعمل فيها ، ولا تبرير صحة تعينه ،  ذلك ان اختصاصه الاصيل بموجب المادة المشار اليها انفا هو تعيين الموظفين حصرا وليس تعين القضاة الاعضاء (اصلين او احتياط ) في المحكمة المذكورة .  

5-ان القرار موضوع البحث جاء لتبرير تعيين العضو الاحتياط في المحكمة الاتحادية ، المتقاعد من محكمة التمييز ، عضواً اصلياً فيها ، اذ تضمن القرار ( ووفقاً للسياقات الدستورية لم يكن في تكييفه الفقهي إلا تثبيت عضوية ذلك العضو في المحكمة ، لأن ذلك التعيين لا يغير من شخصيته ولا من مهامه التي كان يمارسها كعضو احتياط عن مهامه التي يمارسها كعضو اصيل ) ، وعند ملاحظة تشكيلة المحكمة نجد ان ذلك العضو هو احد اعضاء المحكمة عند انعقادها للبت بموضوع عضويته فيها ، كما انه وقع على القرار عند صدوره ، مع بقية الاعضاء ، وفي ذلك مخالفة لأحكام قانون المرافعات رقم 83 لسنة 1969 المعدل ولاسيما المادة (91/ 4 ) منه التي نصت على انه ( لا يجوز للقاضي نظر الدعوى في الاحوال الاتية ... اذا كان له .... مصلحة في الدعوى القائمة ) ، اذ كان على العضو الاحتياط المتقاعد التنحي وجوبيا  عن الحضور وعدم الاشتراك في الجلسة او تشكيل المحكمة وعدم التوقيع مع بقية الاعضاء عند صدور القرار محل البحث ، لتعلقه بموضوع صحة تعينه بصفة عضو اصيل في المحكمة ، مما يعني تحقق مصلحه له عند صدور القرار ، كما ان قواعد العدالة والإنصاف تقتضي ذلك التنحي ، اذ لا يمكن ان يكون القاضي خصما وحكما في وقت واحد ، مما يعني  عدم  اكتراث المحكمة الاتحادية للقواعد العامة المشار اليها في قانون المرافعات  و عدم الاعتداد بها  وتجاوزها ، في حين كان على المحكمة الاحادية حماية احكام القانون وتطبيقه بالشكل الصحيح بغية تعزيز ثقة المواطنين ومؤسسات الدولة بها عند ممارستها لدورها في حمايتها لأحكام الدستور والحيلولة دون انتهاكه ، وعلى اساس ما تقدم فأن تشكيل المحكمة وانعقادها كان غير صحيح عند اصدارها للقرار محل البحث ،الامر الذي يقتضي مراعاة احكام المادة (92) من قانون المرافعات انف الذكر عند اعادة تشكيل المحكمة الاتحادية مستقبلا ، بغية نقض القرار او   فسخه ، في محاولة لمعالجة الخطأ القانوني الذي رافق اصداره .

6-ذكر القرار محل البحث ، عبارة ( لغرض التداول بالشؤون المتعلقة بالمحكمة الاتحادية العليا في ضوء ما توفر من أمور صدرت من جهات لا شأن لها بشؤون المحكمة الاتحادية العليا ، ولا سند لها في ذلك من الدستور والقانون وذلك بعد صدور المرسوم الجمهوري المرقم (4) المؤرخ في 20/1/2020 بتعيين القاضي السيد        (م . ر. ب . ك)  العضو الاحتياط في المحكمة عضواً أصلياً في المحكمة)، ونرى ان ذكر هكذا عبارة تؤكد وجود تدخلات في عمل المحكمة الاتحادية ، وان تلك التدخلات تتعارض مع استقلاليتها اللازمة للممارسة عملها القضائي الدستوري ، وتنعكس سلبا على الثقة التي منحت لها بموجب احكام الدستور والقانون ، اضافة لما   تقدم ، فليس من مهام المحكمة الاتحادية العليا وواجباتها واختصاصاتها الرد على المقترحات والآراء المتعلقة   بعملها ،  الصادرة من اية جهة كانت ، استنادا الى  قرار دستوري قضائي صادر منها بتشكيلة قضائية لجميع اعضائها  ،  و اذا ما وجدت تدخل في عملها او قراراتها ، من قبل أي طرف ( وفقا لما جاء بالقرار ) ، كان عليها ان تتخذ الاجراء القانوني المناسب من خلال اشعار رئاسة الادعاء العام لتحريك الدعوى الجزائية بحق      المتدخل ،  لضمان عدالتها وحياديتها واستقلالها الدستوري القضائي ، لا انعقاد المحكمة وإصدارها للقرار محل البحث ، من دون اتخاذ أي اجراء من شانه الحد من تدخلات الغير في قضائها او ادارتها ، اذ ان تلك المخالفة تجعلها بكامل اعضائها عرضة للمسؤولية الجزائية المتعلقة بالإحجام عن الاخبار وفقا لأحكام المادة 247 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل  .   

البند الثالث – الملاحظات الموضوعية  :

1-ذكرت المحكمة الاتحادية العليا في القرار محل البحث سبب لصدوره ، يكمن : ( بمعالجة الفراغ القانوني والدستوري الناتج من قناعة المحكمة عدم الجواز "لأي جهة التدخل في هذا الشأن وذلك بعدما قضت المحكمة الاتحادية العليا في حكمين باتين وملزمين بموجب المادة (94) من الدستور بعدم دستورية المادة (3/ثالثاً) من قانون مجلس القضاء الاعلى رقم (45) لسنة 2017 في الدعوى المقامة من رئيس مجلس القضاء الاعلى المرقمة (19/اتحادية/2017) المؤرخ في 11/4/2017 وبعدم دستورية المادة (3) من قانون المحكمة الاتحادية العليا وذلك في الدعوى المرقمة (38/اتحادية/2019) المؤرخ في 21/5/2019 ، لمخالفة تلك المادتين لأحكام المادتين (61/خامساً/أ) و(91/ثانياً) من الدستور) ، ذلك ان المحكمة الاتحادية تستند في تسبيبها انف الذكر الى انها مستقلة ماليا وإداريا استنادا الى نص المادة (92/ اولا ) من الدستور وقانون تاسيسها، إلا ان الدستور ابقى  المحكمة الاتحادية العليا ضمن اطار السلطة القضائية ، اذ  نصت المادة (89) منه على أنه (تتكون السلطة القضائية الاتحادية من مجلس القضاء الاعلى ،والمحكمة الاتحادية العليا ، ومحكمة التمييز الاتحادية ، وجهاز الادعاء العام ،وهيئة الاشراف القضائي ، والمحاكم الاتحادية العليا التي تنظم وفقا للقانون) ، وبذلك فان الاستقلال الوارد في المادة (92/أولا ) من الدستور يعني استقلال المحكمة في ادائها  لمهامها وإصدارها لقراراتها فقط ولا سلطان عليها لغير القانون في ذلك ، ولاسيما ان المحكمة الاتحادية العليا بينت مفهوم الاستقلال في  قرارها  بالعدد 228/ت/2006 الصادر بتاريخ 9/10/2006 المنشور في الموقع الرسمي للمحكمة الاتحادية العليا ، بمناسبة تحديد مفهوم كلمة الاستقلال الواردة في المادة (102) من دستور عام 2005  ، اذ جاء فيه ( ان المقصود بالاستقلال الوارد بالمادة (102) من الدستور هو ان منتسبي هيئة النزاهة مستقلين في اداء مهامهم المنصوص عليها في قانون الهيئة لا سلطان عليهم في اداء هذه المهام لغير القانون ولا يجوز لأي جهة التدخل او التأثير على اداء الهيئة لمهامها ، إلا ان الهيئة تخضع لرقابة مجلس النواب في اداء هذه المهام  ...) ، واستنادا لمفهوم الاستقلال الذي تبنته المحكمة الاتحادية العليا في قرارها انف الذكر ،  ولما كان مجلس القضاء الاعلى يتولى ادارة شؤون الهيئات القضائية استنادا لأحكام المادة  (90) من الدستور ، وحيث ان المحكمة الاتحادية تعد هيئة قضائية ، لذا  فأنها تتماثل مع بقية الهيئات القضائية التابعة لمجلس القضاء الاعلى ،  الامر الذي يقتضي ادارة شؤون المحكمة الاتحادية العليا بعدها هيئة قضائية من قبل مجلس القضاء الاعلى بقدر تعلق الامر بترشيح وتعين اعضائها ، ولا يقدح في ذلك القول انها مستقلة ماليا وإداريا ، كونها من مكونات السلطة القضائية الاتحادية بموجب المادة (89) من الدستور المذكور ، وان مجلس القضاء الاعلى يمارس صلاحياته في ادارة شؤون الهيئات القضائية بشكل مطلق  .

2-ان المرسوم الجمهوري المرقم (4) المؤرخ في 20/1/2020، الخاص بتعيين القاضي السيد (م. ر . ب . ك)  العضو الاحتياط في المحكمة الاتحادية العليا ، المتقاعد من محكمة التمييز ،عضواً أصلياً في المحكمة الاتحادية العليا ، والأمر القضائي الصادر من المحكمة الاتحادية العليا بالعدد 39 / ت / 2020 في 20 / 1/ 2020 ،  تم الغائهما بالحكم الصادر من محكمة البداءة بالعدد 568 / ب/ 2020 في 9 / 2/ 2020 ، المصدق تمييزا من قبل الهيئة العامة لمحكمة التمييز الاتحادية بالعدد 4 / 5 /الهيئة العامة / 2020 في 17  / 3 / 2020 ، وعند تدقيق القرار الصادر من محكمة التمييز المشار اليها انفا نجد انها استندت الى كتاب المحكمة الاتحادية بالعدد 232 / ت / 2014 في 30 / 6/ 2014 الموجه الى رئاسة الجمهورية وتبنت نفس المبدأ الذي تمسكت به المحكمة الاتحادية في كتابها انف الذكر المبين فيه عدم وجود سند قانوني يجيز تعين العضو الاحتياط في المحكمة الاتحادية ، المتقاعد من محكمة التمييز عضوا اصليا في المحكمة     الاتحادية ، مما يعني ان المحكمة الاتحادية بدفاعها عن المرسوم الجمهوري بالقرار محل البحث قد خالفت توجهها السابق بكتابها انف الذكر ، على الرغم من علمها الاكيد بعدم مشروعية المرسوم الجمهوري وبطلانه ، ودليلنا على ذلك ، ان المحكمة الاتحادية العليا  طلبت من السيد رئيس الجمهورية سحب المرسوم الجمهوري الخاص بتعيين القاضي المتقاعد ( م. ر. ب . ك ) عضوا اصليا في المحكمة الاتحادية وإعادته الى التقاعد بموجب كتابها بالعدد 22/ ت . ق/ 2020 في 16 / 3/ 2020 ، أي بعد صدور قرار محكمة البداءة المشار اليه انفا ، الامر الذي يؤكد ان القرار الصادر من المحكمة الاتحادية العليا موضوع البحث ، كان يمثل وجهة نظر  شخصية  ، وتطبيق للانتقائية بالتصرف والاختيار بعيدا عن الهدف الذي وجدت من اجلة المحكمة المذكورة .

3-ان المادة (7) من قانون المحكمة الاتحادية العليا ، تشترط  ان يؤدي رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية  العليا ، عند تعيينهم ، اليمين امام (مجلس الرئاسة) المشكل بموجب المادة (السادسة والثلاثين) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية النافذ بتاريخ 8/3/2004 ، إلا أن (مجلس الرئاسة) قد الغي بموجب المادة (138/اولاً) من الدستور ، وحل محله (رئيس الجمهورية) استنادا لصلاحياته المنصوص عليها في المادة (73) منه ، الامر الذي يقتضي  حلف عضو المحكمة الاحتياط القاضي (م . ر . ب .ك ) ، المعين بصفة عضو    اصلي ، على فرض صحة التعين ،  اليمين المنصوص عليها في المادة ( 7) من قانون المحكمة الاتحادية  امام رئيس الجمهورية لحلول رئيس الجمهورية محل مجلس الرئاسة الملغي ، على الرغم من عدم  الاشارة الى ذلك بالمادة (73) من الدستور ، المتعلقة باختصاصات رئيس الجمهورية ، اكتفاء بحلول رئيس الجمهورية محل مجلس الرئاسة ، إلا ان المحكمة الاتحادية في قرارها محل البحث اتجهت خلاف ذلك ، وأعطت لنفسها صلاحية ان يتم حلف اليمين المنصوص عليها في المادة (7) من قانون المحكمة الاتحادية  ،امامها ، مستنده الى المداولة التي تمت في حينها بين رئيسها والسيد رئيس الجمهورية ، اذ نص قرارها موضوع البحث على انه ( تم الرأي بأن يحلف العضو الجديد في المحكمة امام رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا ولحين تشريع قانون جديد للمحكمة بموجب المادة (92) من الدستور وهذا ما سار العمل عليه عند تعيين عضو جديد في المحكمة اصلياً كان او احتياطاً ) ، اضافة لما تقدم  فأن المحكمة الاتحادية لم تكتف بهذا التفسير الذي جعلت بموجبه من نفسها  مشرعا ، و انما لم تحلف العضو الاحتياط المتقاعد اليمين اصلا ، مكتفية بحلفه لليمين امامها عند تعينه بصفة عضو احتياط في وقت سابق  ، اذ نص قرارها على انه (  وتجد المحكمة الاتحادية العليا أن القاضي السيد ( م . ر . ب . ك ) وعند تعيينه عضواً احتياطاً وفق السياقات الدستورية كان قد أدى اليمين وفق اصولها امام رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا ومارس مهامه بعدها ولا زال وان تعيينه عضواً اصلياً بموجب التكليف الفقهي لم يكن إلا تثبيتاً وامتداداً لعضويته في المحكمة وقضت المحكمة في نهاية قرارها بأن "لا حاجة لإعادة ترديده اليمين المنصوص عليها في المادة (7) من قانون المحكمة الاتحادية العليا  ) ، وبذلك فان المحكمة الاتحادية نصبت نفسها محل المشرع وأعطت لنفسها صلاحية تحليف اعضائها الاصلين والاحتياط لليمين المنصوص عليها في المادة (7) من المحكمة الاتحادية  ، من دون وجود سند قانوني يخولها ذلك مكتفيتا بالمداولة الشفهية مع السيد رئيس الجمهورية ، وفي ذلك تجاوز لصلاحيات المحكمة الاتحادية ولاختصاصاتها الدستورية ، مخترقة احكام الدستور والقانون في وقت واحد ،الامر الذي يجعل من قرارات المحكمة الاتحادية الصادرة بتشكيل اعضائها الاصلين او الاحتياط ، الذين حلفوا اليمين امامها وليس امام رئيس الجمهورية  ، محل طعن من قبل المتضررين منها ومحل نقاش وجدل من قبل الفقه الدستوري والمختصين بالقضاء الدستوري على وجه الخصوص .

4-الحل الذي تطرحه المحكمة الاتحادية لمعالجة حالة الفراغ القانوني الخاص بتعين اعضائها بعد الغاء النصوص التي كانت تعالج ذلك : تكمن ، بأن : "مناط ذلك سيكون وفقاً لأحكام قانون المحكمة الاتحادية العليا الذي رفع مشروعه من مجلس الوزراء ووضعت المحكمة الاتحادية ملاحظتها عليه المنظور حالياً من مجلس النواب"، ونرى ان المقترح انف الذكر صعب المنال ، لمرور فترة طويلة على اعداد مشروع القانون وعدم اقراره حتى هذه اللحظة ، ونرى بغية معالجة الفراغ القانوني الناتج من الغاء نص المادة (3 ) من الامر التشريعي رقم 30 لسنة 2005 والمادة(  3 / ثالثا ) من قانون مجلس القضاء الاعلى رقم 45 لسنة 2017 ، ولحين اقرار مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا من قبل مجلس النواب ، ولمواجهة تعطيل تشكيل وانعقاد المحكمة الاتحادية العليا نتيجة عدم اكتمال نصابها ، بسب ما اصدرته المحكمة المذكورة من قرارات دون ملاحظة ان ذلك الالغاء للمادتين المشار اليهما انفا ، يجب ان يتم في مشروع قانونها عند اقراره لا بموجب قرارات صادرة منها ، تسببت بخلق حالة من الفراغ التشريعي وتعطيل عمل مرفق عام متمثل بها ، وما ترتب على ذلك من نتائج من شأنها تعطيل المصادقة على نتائج الانتخابات المبكرة  ، اذا ما استمر وضعها على ما هو عليه ، لذا ندعو المشرع العراقي الى تشريع  قانون مستقل عن مشروع قانون المحكمة الاتحادية في الوقت الحاضر ، كإجراء احترازي ، لا يستلزم لإقراره موافقة اغلبية الثلثين وإنما الاغلبية البسيطة ( نصف + واحد ) ، بالإمكان الغاءه اذا ما تم تشريع مشروع قانون المحكمة الاتحادية ، من شانه معالجة الفراغ القانوني الناتج عن رغبة المحكمة الاتحادية في تعطيل تشكيلها وانعقادها بإرادتها ، لغايات شخصية ،  يتم بموجبه منح مجلس القضاء الاعلى صلاحية ترشيح وتعين قضاة المحكمة الاتحادية العليا وإدارة شؤونها تطبيقا لنص المادة (90) من الدستور المذكور انفا ، ويتم فيه تحديد السن القانوني لتقاعد اعضائها اسوة بقضاة محكمة التمييز الاتحادية ،  لعدم توافر القابليات الذهنية والجسدية في القاضي بشكل عام اذا ما تجاوز السن القانوني للتقاعد ، ما لم يثبت خلاف ذلك استنادا الى تقرير طبي صادر من لجنة طبية مختصة ، ولاسيما ان تعطيل عمل المرافق العامة ومنها المحكمة الاتحادية، يعد جريمة تخضع لأحكام قانون العقوبات ، الامر الذي يقتضي محاسبة من تسبب في ذلك وفقا لأحكام القانون .

 

                                                                                                          القاضي الدكتور حيدر علي نوري
                                                                                                            16/2/2021

للاطلاع على القرار      اضغـــــــط هنــــــــــا

مواضيع ذات صلة