
هل تسمو الاتفاقية الدولية على احكام القضاء العراقي تعقيب على ما نشر في تطبيق قانونجي
القاضي المتقاعد سالم روضان الموسوي
اطلعت في تطبيق قانونجي على مادة كتبها الدكتور جمال الاسدي المحترم وعنوانها (القرارات الدولية تسمو على قرارات المحكمة الاتحادية... حسن الجوار واحترام التزاماته الدولية مبادئ دستورية)
وملخص ما ورد في المادة أعلاه الاتي:
1. ان المعاهدات الدولية التي تبرم بين الدول لها السمو على قرارات القضاء الدستوري وان القرارات الدولية تسمو على احكام القضاء الدستوري وهذا يستند الى سمو المعاهدات الدولية على القوانين الوطنية)
2. ثم اردف العرض قولاً بان المحكمة الدستورية لاي بلد لا يمكن لها ان تفسخ او تبطل اتفاقية تنفيذا لقرار صادر عن مجلس الامن
ولابد من القول وقبل الاستطراد بمناقشة ما ذكره الكاتب المحترم أقول باني لا اتفق معه بشكل مطلق وللأسباب الاتية:
1. فيما يتعلق بسمو المعاهدات الدولية على القانون الوطني كلام فيه سعة للنقاش، لان تدرج التشريع الذي اقره الدستور العراقي، لم يرد فيه ذكر لاعتبار المعاهدات الدولية لها السمو على التشريع الوطني او انها في منزلة ادنى من الدستور واعلى من التشريع او حتى مساوية للتشريع، والسمو المطلق هو للدستور فقط وعلى وفق ما ورد في المادة (13/أولا) من الدستور التي جاء فيها ( يُعدُ هذا الدستور القانون الاسمى والاعلى في العراق، ويكون ملزماً في انحائه كافة وبدون استثناء)،
كما أشار الدستور ايضاً الى عدم الاعتداد باي اتفاقية او معاهدة الا اذا تمت المصادقة عليها بموجب قانون وطني يشرعه مجلس النواب وعلى وفق احكام المادة (61/رابعاً) من الدستور التي جاء فيها (تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب)
وعند العودة الى قانون عقد المعاهدات رقم 35 لسنة 2015، فانه قضى بعدم التزام العراق الا اذا تم التصديق على الاتفاقية او المعاهدة وعلى وفق ما ورد في المادة (17) من قانون عقد المعاهدات، اما اتفاقية ترسيم خورعبدالله التي كانت محور المادة التي كتبها الدكتور جمال المحترم فإنها صدرت في ظل قانون عقد المعاهدات رقم 111 لسنة 1979 الملغى، وحكمه لا يختلف عن الذي ورد في القانون النافذ من حيث وجوب التصديق عليه من مجلس النواب وإصدار قانون بذلك،
وبهذا العرض البسيط فان الدستور العراقي لم يعترف باي اتفاقية او معاهدة ما لم يتم التصديق عليها بموجب قانون وطني يصدر على وفق الاليات التي نظمتها النصوص الدستورية والقانونية النافذة،
وهذا ليس براي فقهي او نظرية يتبناه البعض بل انه حكم القانون، الذي ايده القضاء العراقي في احكامه منذ تأسيس الدولة العراقي وفي عشرات القرارات التي اصدرها،
2. اما عن سمو الاتفاقية على الاحكام القضائية التي تصدر عن المحاكم الدستورية او حتى المحاكم الأخرى، فانه قول يتقاطع مع مبدأ حجية الاحكام القضائية، وعلى وجه الخصوص قرارات المحكمة الاتحادية العليا فأنها باتة وملزمة للجميع ونطاقها سريانها هو حدود النطاق الجغرافي لدولة العراق، وعلى وفق احكام المادة (94) من الدستور، وعند التعارض بين نص في اتفاقية او قانون وبين وبين قرار قضائي فان الحكم القضائي هو الواجب النفاذ لما يتمتع به من حجية سواء تلك التي وردت في الدستور او في القوانين الأخرى،
وبذلك لا يمكن ان نتصور وجود فرصة للمفاضلة من حيث السمو والعلو بين الحكم القضائي واي نص تشريعي او في اتفاقية دولية، حيث ان التعارض في العادة يكون بين القوانين والذي يسمى فقها (تنازع القوانين) وهو الذي يعنى بإزالة التعارض بين النصوص الوطنية وبين النصوص الأجنبية وعلى وفق الاليات التي وردت في التشريعات النافذة ومنها ما ورد في المواد (10) وما يليها من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951
3. اما فيما يتعلق بقوله ان المحكمة الاتحادية لا يجوز لها ان تبطل الاتفاقية او التي صدرت استنادا لقرار من مجلس الامن الولي، في هذا القول قد يكون هناك التباس، لان الفقرة الحكمية التي صدرت في قرار المحكمة الاتحادية العليا العدد 105 وموحدتها 194/اتحادية/2023 في 4\9\2023 لم يرد فيها أي إشارة الى ابطال المعاهدة او الاتفاقية، وانما قضت بعدم دستورية القانون الوطني رقم 42 لسنة 2013 الذي قضى بالتصديق عليها، وهو من صلب اختصاصها بالرقابة على دستورية القوانين العراقية وعلى وفق احكام المادة (93/1) من الدستوروبذلك لم تتصدى المحكمة الاتحادية العليا الى الاتفاقية وانما انحصر حكمها بعدم دستورية قانون التصديق عليها وعلى وفق ما جاء في الفقرة الحكمية في القرار أعلاه وعلى وفق الاتي ( أولاً: الحكم بعدم دستورية القانون رقم (٤۲) لسنة ۲۰۱۳ قانون تصديق الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت بشأن تنظيم الملاحة في خور عبد الله).
ومما تقدم فان ما عرضه الدكتور جمال الاسدي المحترم، لا يجد له سنداً في الدستور والمنظومة القانونية العراقية فيما يتعلق بسمو المعاهدات على القانون الوطني او على قرارات المحكمة الاتحادية العليا ، كما لا ينسجم مع ما ورد في قرار المحكمة الاتحادية العليا لان الحكم القضائي قضى بعدم دستورية القانون التصديق فقط ولم يتعدى الى الاتفاقية، ومع ذلك فانه رأي محترم ووجهة نظر يحترمها كل قارئ موضوعي .