
دور المحكمة الاتحادية العليا في تحقيق العدالة الانتقالية في العراق
المعاون القضائي ايهاب سامي حسن محمد الجبوري
تعد العدالة الانتقالية خطوة جوهرية في مسار التحول الديمقراطي بعد فترات القمع أو الحروب وفي العراق عقب عام 2003، أصبحت الحاجة ملحة لتحقيق العدالة للضحايا وضمان عدم تكرار الانتهاكات. وقد قامت المحكمة الاتحادية العليا بدور أساسي في هذا السياق، إذ مارست دورها الرقابي على القوانين والإجراءات الانتقالية، وأصدرت قرارات مؤثرة في هذا المجال.
أولًا: الإطار النظري للعدالة الانتقالية.
تشير العدالة الانتقالية إلى التدابير القضائية وغير القضائية التي تنفذ لمعالجة انتهاكات الماضي خلال عمليات الانتقال السياسي. وهي تشمل محاسبة المسؤولين عن الجرائم الجسيمة وتعويض الضحايا وجبر الضرر وإصلاح المؤسسات وضمان عدم الإفلات من العقاب
ثانيا: المحكمة الاتحادية العليا ودورها الدستوري.
تختص المحكمة الاتحادية العليا في العراق وفق المادة (93) من الدستور بالرقابة على دستورية القوانين والفصل في المنازعات بين السلطات والمصادقة على نتائج الانتخابات وتفسير النصوص الدستورية , وهذه الصلاحيات تؤهل المحكمة لأن تكون فاعلا رئيسيا في تفعيل العدالة الانتقالية, من خلال ضمان التوازن بين حقوق الضحايا ومبادئ العدالة.
ثالثا: دراسة تطبيقية لقرارات المحكمة الاتحادية العليا.
الحالة التطبيقية الأولى: قرار الطعن ببعض مواد قانون المساءلة والعدالة رقم القرار: 29/اتحادية/2008.
- الوقائع: طعن مجموعة من المتضررين من قانون المساءلة والعدالة ببعض مواده، معتبرين أنها تتضمن عقوبات جماعية وتمييزًا سياسياً يتعارض مع مبادئ المساواة.
- حكم المحكمة: أكدت المحكمة دستورية القانون من حيث المبدأ، لكنها اعتبرت أن تطبيق بعض مواده يجب أن يكون مقيدا بقواعد العدالة الفردية وليس العقوبات الجماعية.
- التحليل: المحكمة هنا دعمت العدالة الانتقالية الانتقائية, أي بمعنى تحميل المسؤولية للأفراد بناء على أفعالهم، وليس على الانتماء فقط.
الحالة التطبيقية الثانية: قرار المحكمة حول حقوق السجناء السياسيين رقم القرار: 18/اتحادية/2010 .
- الوقائع: طعن مجموعة من موظفي الدولة السابقين بقرار احتساب مدة سجن بعض السجناء السياسيين لأغراض التقاعد والترقيات.
- حكم المحكمة: أيدت المحكمة احتساب مدة السجن السياسي كخدمة فعلية، باعتبارها شكلًا من جبر الضرر للضحايا الذين حُرموا من حقوقهم بسبب مواقفهم السياسية.
- التحليل: هذا القرار يتماشى مع ركن جبر الضرر في العدالة الانتقالية، ويظهر كيف يمكن للقضاء الدستوري إنصاف الضحايا.
الحالة التطبيقية الثالثة: الطعن بقرارات مجلس النواب المتعلقة بالعفو العام رقم القرار: 38/اتحادية/2016.
- الوقائع: طعن أحد المدعين في قانون العفو العام الذي اعتبر أن بعض الفئات من المتهمين بجرائم خطيرة يمكنهم الاستفادة من العفو.
- حكم المحكمة: رأت المحكمة أن بعض مواد قانون العفو قد تشكل إخلالا بمبد العدالة، وقررت إلغاء بعض الاستثناءات غير المنطقية التي تُفضي إلى الإفلات من العقاب.
- التحليل: دعم مباشر لمبدأ عدم الإفلات من العقوبة, الذي يعد أحد أركان العدالة الانتقالية.
رابعا: التحليل العام والنتائج.
من خلال دراسة القرارات السابقة، يتضح ما يلي: ان المحكمة الاتحادية العليا تتبنى مقاربة واقعية ومرنة تراعي ضرورات المصالحة، لكنها لا تهمل مبادئ العدالة وهناك مساهمة مباشرة في تصحيح بعض التشريعات التي تهدد العدالة الانتقالية وحيث تبنت المحكمة مبدأ الفردية في المسؤولية ورفضت التعميم والعقوبات الجماعية.
خامسا: المقترحات.
لقد ثبتت المحكمة الاتحادية العليا في العراق قدرتها على التفاعل الإيجابي مع متطلبات العدالة الانتقالية، من خلال قراراتها التفسيرية والرقابية. وهي بذلك تؤسس لقضاء دستوري قادر على دعم التحول الديمقراطي ومعالجة تركة الماضي، شريطة توفير البيئة القانونية والدستورية الملائمة لتعزيز هذا الدور ونقترح ما يلي.
1- ضرورة إصدار قانون خاص بالعدالة الانتقالية ينظم العلاقة بين المحكمة والجهات المعنية.
2- تدريب القضاة على مبادئ العدالة الانتقالية الدولية.
3- تفعيل دور المحكمة في مراجعة القوانين التي تعيق عملية المصالحة أو تعزز التمييز و إشراك المحكمة في مراجعة برامج جبر الضرر وضمان شفافيتها.