آخر الاخبار

shadow

الإغفال التشريعي في الدفع الفرعي بعدم الدستورية

د.احمد طلال عبد الحميد البدري

     يُعـد الدفع الفرعي بعدم الدستورية من أهم أساليب تحريك الرقابة الدستورية كما هو الحال في الدستور المصري، إلا أن المُشرِّع المصري اشترط لقبول الدفع بعدم الدستورية أن تكون هناك خصومة حقيقية لا مجرد خصومة افتراضية كحالة يتواطئ شخصان لإقامة دعوى لغرض الطعن بدستورية قانون، كما تمنع المحاكم بالنظر في الدعاوى غير المنتجة التي لا يكون للحكم الذي صدر فيها أي أثر قانوني على الخصومة القائمة مع ضرورة توافر شرط المصلحة الشخصية المباشرة لمبدي الطعن، ويشترط أن يكون الضرر الذي يشكو منه الطاعن ضرراً فعلياً قابلاً للإصلاح القضائي، كما يجوز أن يكون الضرر مستقبلياً سواء كان مؤكداً أو وشيك الوقوع   ، ويتحقق الدفع بعدم الدستورية عندما تكون المحكمة المختصة بصدد نظر منازعة مثارة أمامها ويثير أحد الخصوم المدعي أو المدعى عليه كوسيلة للدفاع عن حقوقه دفعاً مفاده بأن القانون المراد تطبيقه عليه غير دستوري ، وقد نص النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا الملغي والنافذ حاليا على هذا النوع من الدفع باعتباره احد وسائل اتصال القاضي بالدعوى الدستورية ، حيث تقوم المحكمة تطبيقاً لنص المادة (4) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا  رقم (1) لسنة 2005 الملغى بتكليف الخصم بتقديم هذا الدفع بدعوى بعد استيفاء الرسم المقرر للدعوى، ثم تبت بقبول الدعوى فإذا قبلتها ترسلها مع المستندات إلى المحكمة الاتحادية العليا للبت في الدفع بعدم الشرعية ، على أن تقوم محكمة الموضوع باستئخار الدعوى الاصلية المنظورة أمامها لنتيجة الدفع بعدم الدستورية الذي سوف تبت به المحكمة الاتحادية العليا، أما إذا رفضت الدعوى فيكون قرارها قابلاً للطعن فيه أمام المحكمة الاتحادية العليا ولم يحدد النص المذكور مدة للبت في قبول الطعن من قبل محكمة الموضوع كما لم يحدد النص مدة لطالب الدفع الفرعي للجوء الى المحكمة الاتحادية العليا في حال رفض الدعوى ، بعد صدور النظام الداخلي الجديد للمحكمة الاتحادية العليا رقم (1) لسنة 2022 نص ايضاً على الدفع الفرعي في المادة (18/ ثانياً /ثالثاً/رابعاً/خامساً) ، اذ يجوز لأي من الخصوم الدفع بعدم دستورية نص قانوني أو نظام يتعلق بدعوى منظورة أمام محكمة الموضوع ، وفي مثل هذه الحالة يُكَلف بإقامة دعوى بذلك ، ويدفع الرسم القانوني عنها ، وتقدم الى محكمة الموضوع خلال عشرة ايام من تاريخ الدفع بعدم الدستورية ولنا على هذا النص الملاحظات الاتية :

1-إن النص المذكور أجاز الدفع الفرعي بعدم دستورية نص قانوني أو نظام محل تطبيق من قبل المحكمة التي تنظر النزاع من طرفي النزاع، ولكن لم يشر الى امكانية الدفع بعدم دستورية القانون واقتصر على الدفع بعدم دستورية نص في قانون وهذا نجده تقييد للدفع الفرعي لأنه قصره على النص موضوع التطبيق من قبل محكمة الموضوع ، ولعل قد يبرر البعض ان للمحكمة الاتحادية العليا مكنة التصدي وبإمكانها التوسع في فحص دستورية نصوص اخرى او القانون .

2-إن النص المذكور قيـّد الدفع الفرعي بتكليف محكمة الموضوع بتقديم دعوى ودفع الرسم عنها ، ولم يبين الحكم القانوني في حال امتناع المحكمة عن تكليف مقدم الدفع بتقديم دعوى ودفع الرسم عنها ، فهنا يكون مقدم الدفع في مأزق لانه لم يكلف بتقديم الدعوى حتى يتمكن في حال رفض الدعوى او عدم البت بها الطعن امام المحكمة الاتحادية العليا خلال سبعه ايام من رفضه او انتهاء المدة المحددة في البند (ثالثاً) من المادة (18) من النظام ، كما انه لايستطيع تمييز قرار محكمة الموضوع بعدم التكليف إلاّ بعد حسم الموضوع من قبل محكمة الموضوع كون القرار المذكور غير حاسم في موضوع الدعوى ، كما لايمكن إيراد دفوع جديدة أمام جهة التمييز ، لذا نجد كان من الأجدر أن يعتبر المُشرِّع الدفع الفرعي بعدم الدستورية  من الدفوع المتعلقة بالنظام العام وليس بحق شخصي لان فحص الدستورية للنص الطعين من قبل المحكمة الاتحادية العليا من شأنه ان يرتب حجية مطلقة في مواجهة الكافة كون احكامها باته وملزمة استناداً للمادة (94) من الدستور، وبالتالي امكانية تقديم الدفع الفرعي بعدم الدستورية أمام محكمة التمييز الاتحادية في حال تجاهل محكمة الموضوع تكليف مقدم الدفع بتقديم الدعوى اثناء نظر النزاع وتعذر اللجوء للمحكمة الاتحادية العليا .

3-نتأمل من المحكمة الاتحادية العليا تبسيط الشكلية في الاجراءات وقبول الدفع الفرعي بعدم الدستورية في حال امتناع محكمة الموضوع عن تكليف مقدم الدفع بإقامة الدعوى ومضت في اجراءات حسم الدعوى ، واعتماد الدفع المثبت في محضر الجلسة اساساً لقبول الدعوى امامها ، ذلك ان تقييد الدفع الفرعي بسلطة المحكمة بالتكليف يفقد هذا الدفع فاعليته ، أو بالإمكان معالجة الاغفال التشريعي في صياغة النص، اما بإلزام محكمة الموضوع بالتكليف ضمن مدة محددة ، أو فتح سبيل الطعن أمام المحكمة الاتحادية العليا ... والله الموفق .



مواضيع ذات صلة