آخر الاخبار

shadow

الطعون الفردية وحماية الحقوق والحريات الاساسية

د.احمد طلال عبد الحميد البدري

تتعدد وسائل اتصال القاضي الدستوري بالدعوى الدستورية ، ومن أهم وسائل الاتصال هي الطعون الدستورية الفردية ، التي تعد من ابتداع المشرع الدستوري الالماني التي اعتبرها الملاذ الاخير لحماية الحقوق والحريات الاساسية الواردة في الدستور من خلال تمكين الفرد صاحب المصلحة من اللجوء للقضاء الدستوري لغرض التدخل ووقف الخرق الذي ينال أحد حقوقه أو حرياته الاساسية ، سواء كان الانتهاك بعمل تشريعي أو من جانب السلطة التنفيذية أو بعمل أو اجراء قضائي ، شريطه استنفاذ الاجراءات والطعون العادية وغير العادية كافة امام الجهات التي اصدرت العمل الذي شكل الانتهاك أو الجهات القضائية ، فالطعون الفردية عبارة عن مكنة دستورية هدفها حماية الحقوق والحريات الاساسية التي ورد النص عليها في الدستور من خلال تمكين الافراد أو الهيئات العامة أو الخاصة من مراجعة القضاء الدستوري لوقف الخرق الذي ينال الحقوق والحريات الاساسية والحقوق المتفرعة عنها ايضاً أي كان مصدر أو نطاق الانتهاك أو الجهة المتسببة به سواء كانت أعمال تشريعية أو إدارية أو قضائية بعد استنفاذ الاجراءات والوسائل التي قررها المشرع لحماية هذه الحقوق ، فالطعن الفردي هو طعن استثنائي يعد الملاذ الاخير لحماية الحقوق والحريات الاساسية والحقوق المتفرعة عنها، ولذلك اشترط المشرع الالماني إستنفاذ الوسائل والاجراءات المتاحة كافة قبل اللجوء الى الطعن الفردي ، مع تحقق عنصر الاستمرارية في عملية الانتهاك ، وعلى غرار الطعن الدستوري الفردي في المانيا ، نجد ان المشرع الدستوري الكولمبي نص في المادة (86) منه، على دعوى ( a tutela) وهي دعوى تعطي المكنة لأي فرد من اللجوء للقاضي الدستوري أو أي قاضٍ آخر بأي وقت أو أي مكان من خلال اجراءات سريعة وتفضيلية للحصول على الحماية الفورية لحماية حقوقه الاساسية التي تعرضت للانتهاك بنشاط سلبي أو ايجابي من أي سلطة عامة ، لهذا للقاضي الحق بإصدار أمر ملزم لوقف هذا الانتهاك، ويخضع هذا الامر للمراجعة الدستورية في حال الطعن به ، فهذه الدعوى تعد من وسائل الانتصاف السريعة والفورية لحماية ووقف الانتهاك لاحد حقوق الفرد الاساسية ، حيث ألزم القانون القاضي البت بهذه الدعوى خلال مدة لاتتجاوز عشرة ايام ، وقد اكدت المحكمة الدستورية الكولمبية على أهمية هذا الطعن وحرصت على تجريده من كل قيود شكلية أو فنية  تعيق تقديمه، كما أكدت المحكمة الدستورية الكولمبية على شعبية هذه الدعوى ، من خلال إتاحة إقامتها من الجميع ضد جميع السلطات العامة والافراد والهيئات الخاصة وحتى القرارات القضائية رغم معارضة المحاكم العادية ومجلس الدولة لفكرة الاعتراض على قراراتها باعتبار ان ذلك ماساً باستقلال العمل القضائي ، وازاء اصرار المحكمة الدستورية الكولمبية على نطاق هذه الدعوى باعتبارها وسيلة للحد من تـَغـَوّل السلطات العامة والقضائية حصل ما يعرف في كولمبيا بـ ( تصادم القطارات ) كاشارة للصراع بين توجهات المحكمة الدستورية والقضاء العادي ومجلس الدولة وموقفهما السلبي من هذه الدعوى ، وهذا هو نفس اتجاه المحكمة الدستورية الفيدرالية الالمانية التي قبلت الطعون الفردية أمامها ضد أي عمل يشكل انتهاك للحقوق الاساسية سواء كان هذا العمل قانون أو توجيه أو قرار إداري صادر عن سلطة إدارية أو حتى حكم قضائي صادر عن أحد المحاكم ، إضافة لتدخلها في مجال المنازعات المدنية الخاصة من خلال الحماية الكاملة والفعالة للحقوق الدستورية من خلال تبني مبدأ ( الاثر غير المباشر للغير للحقوق الدستورية ) والذي أقرت بموجبه بأن الحقوق الدستورية يمكن ان تؤثر على مراكز الاطراف الخاصة في النزاعات المدنية وهذا يتطلب اخضاع القوانين الخاصة  لمراجعه الحقوق الدستورية ، معتبره ان الحقوق الدستورية تمثل نظاماً موضوعيا ًللقيم يؤثر في مجالات القانون بما في ذلك القانون الخاص الذي يحكم العلاقات الخاصة، وهذا يستوجب من المحاكم عند تفسيرها للقوانين الخاصة تحقيق التوازن بين القيمة المحمية دستورياً والمصلحة التي يحميها التشريع ، واذا ما فشلت المحاكم المدنية أو الادارية في الدول التي تأخذ بنظام القضاء المزدوج من تحقيق هذه الملائمة ويشعر أحد أطراف الدعوى بأن حقوقه الدستورية قد انتهكت بسبب تطبيق أو تفسير القانون من قبل المحاكم المدنية او الادارية فإن بإمكانه الطعن أمام المحكمة الدستورية الفيدرالية الالمانية ضد هذا الانتهاك ، وفي العراق نجد أن النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم (1) لسنة 2022 قد اخذ في المادة (20) منه، بفكرة الطعون الفردية الدستورية إلا أنّه قيده بقيود شكلية وموضوعية، منها الشروط المنصوص عليها في المواد ( 44 و45و46 و47) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل ، كما ضَيّق من نطاق الطعن الدستوري الفردي وحصره بالبت بدستورية القوانين والانظمة فقط خلافاً للطعن الدستوري الفردي امام المحكمة الدستورية الالمانية والمحكمة الدستورية الكولمبية في دعوى (a tutela ) التي نص عليها الدستور الكولمبي ، اذ يجوز الطعن بأي انتهاك ينال الحقوق الاساسية سواء كان مصدر هذا الانتهاك عمل تشريعي أم حكم قضائي أو قرار أو عمل اداري شريطة استنفاذ طرق المراجعة الادارية والقضائية المتاحة ، لذلك يمكن القول إن الطعون الفردية الدستورية في العراق مازالت غير مستجيبة لحماية الحقوق الاساسية المحمية بموجب الدستور من حيث الموضوع والنطاق ويحتاج الى مراجعة تشريعية لجعل الطعن الفردي وسيلة ناجعة في اقتضاء وحماية الحقوق الاساسية تمتاز بالسهولة والسرعه والفاعلية ، نتمنى من المشرع ان يلتفت الى هذا القصور التشريعي الذي يحد من فاعلية الحماية المقررة للحقوق والحريات الاساسية وحتى المتفرعة عنها، ويمكن للمحكمة الاتحادية العليا ان تؤدي دوراً في تفعيل الطعون الدستورية الفردية لحماية الحقوق الاساسية المنتهكة والتوسيع من نطاقها ... والله الموفق .

 



مواضيع ذات صلة