آخر الاخبار

shadow

مدى دستورية احكام الحضانة بالتشريع العراقي

علي يحيى كاظم

 

   بالنظر الى كثرة النزاعات التي تعرض يومياً امام محاكم الاحوال الشخصية المتعلقة بفض النزاع على الحضانة سواء كان ما بين الابوين أو غيرهم من تدرجات الحاضنين ، فتكاد لا تخلو يومياً محاكم الاحوال الشخصية من البت بأكثر من نزاع في احكام متعلقة بالحضانة و كذلك الحال ايضا بأحكام تصدر من هيئة الاحوال الشخصية في محكمة التمييز الاتحادية ،وفي ضل ذلك  يتبادر للأذهان السؤال : هل احكام الحضانة المنصوص عليها في احكام المادة السابعة والخمسون من قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل النافذ ،  هي احكام مطابقة للشريعة الاسلامية ؟باعتبار أن الاسلام دين الدولة الرسمي ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابته حسب النص الدستوري ([1])، اذ يعد الدستور القانون الاعلى والاسمى وفق مبدا التدرج القانوني  ، وللإجابة عن هذا التساؤل نجد العديد من الآراء التي اوردها فقهاء الشريعة الاسلامية الغراء تتعلق  بأحكام الحضانة المشار اليها محل التطبيق حالياً من قبل القضاء، سيما أن قاضي محكمة الاحوال الشخصية مقيد بما ورد بالتشريع. وان لم يوجد فهو ملزم بالفصل في النزاع وليس له أن يتحجج بنقص النص أو غموضه ،وهذا التكليف منصوص عليه في القانون الاجرائي الاساس الا وهو قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل النافذ ([2])، وعلى هذا فان قاضي الموضوع الذي يعرض عليه النزاع ملزماً بالفصل بالنزاع باعتبار أن ذلك من ضمن صميم عمله ومن المهام الموكلة اليه ، ولكن ماذا لو أن القاضي كان يطبق نصاً مخالفاً للشريعة الاسلامية كونها مصدر التشريع حسب الدستور ؟ يجب التفرقة بين احكام الشريعة الاسلامية التي تعتبر من الثوابت والاركان فيما ما يتعلق بالعبادات ، و احكام الشريعة الاسلامية التي تعتبر من الامور التنظيمية لإدارة شؤون المسلمين وغيرهم (الافراد ) ، والاحكام والآراء التي طرحت فما يتعلق بموضوع الحضانة هي من الاحكام التنظيمية لعلاقات الافراد ، وليست من الامور العقائدية المتعلقة بالعبادات (اي مخالفتها لا يعد اثماً ) ، هذا من جانب ومن جانب اخر عند البحث عن الغاية من التشريعات بصورة عامة والحضانة بصورة خاصة نرى انها وجدت لتحقيق العدالة الاجتماعية ما بين الافراد ، وحماية الحقوق والحريات المكفولة بالدستور اصلاً، فنرى أن غاية المشرع هي ليست مخالفة احكام الشريعة الاسلامية ، وان لم يأخذ ببعض الآراء المطروحة من المختصين بها الا انه قد كرس مدار بحثه حول مصلحة المحضون فقط دون غيره ، ومن بعده جاءت السلطة القضائية ومن خلال الاحكام العديدة والتوجيهات التي تصدر بين الحين والاخر من رئاسة مجلس القضاء الاعلى ، وغايتها تحقيق مصلحة المحضون ، فالقضاء يرعى مصلحة المحضون  ليتطابق مع  رغبة المشرع وينُظر الى الدعاوى المرتبطة  بالحضانة بنظرة مجردة عن مصلحة الطرفين  ، لذا برز الخلاف  كون المشرع قد خالف أحكام الشريعة الاسلامية من حيث ترتيب تسلسل الحاضنين وكذلك بعض الشروط التي اوجب توافرها في من ينازع في الحضانة ، ومدة الحضانة ،  ولكن القضاء ركز  جل اهتمامه على مصلحة المصلحة المحضون فتارةً نجد أن القضاء يحكم بالحضانة للام وتارةً اخرى يسلب الأم هذا الحق  ويمنحه للاب ، وعلى هذا الاساس اين ما تجد المحكمة خيراً للمحضون تُقرر تسليمه وتحكم بالحضانة لمن ترى  انه الآمن  على الصغير ، باعتبار الصغير هو الطرف الاضعف في النزاع وهو من يتوجب  توفير الحماية له ، وهذه الحماية خصها المشرع بنصوص جزائية في قانون العقوبات ضمن فصل كامل  لحماية المحضون اذ اورد عقوبات بدنية ومالية لعدة افعال إن صدرت ممن حكم له بالحضانة ،أو من صدر حكم ضده بتسليم المحضون وامتنع عن تسليمه وغيرها من الافعال التي عدها المشرع جرائم ووضع الجزاء لها([3])، ويتضح أن المشرع لم يكن ينوي مخالفة الشريعة بل أن مجمل غايته هو المحافظة على الصغير ، أما عن مدى موافقة النص للدستور فقد قال القضاء كلمته  بقرار المحكمة الاتحادية العليا عند الطعن بعدم دستورية احكام المادة السابعة والخمسون من قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل النافذ ، وحكمت برد الطعن المقدم من الناحيتين الشكلية والموضوعية كون الطاعن في حينها لم يكن ذي مصلحة من اقامة الدعوى ، ومن الناحية الموضوعية قالت ... ((تجد المحكمة الاتحادية العليا من الحديث النبوي الشريف ومن اراء الفقهاء ومن التشريعات المماثلة في الدول الاسلامية وما أستقر عليه القضاء من احكام في مجال الاحوال الشخصية ، بمجموعها أنها لا تحول دون التعامل مع وقائع الحضانة كل حسب ظروفه ،لأن الاصل في التشريعات أنها توضع لصلح البشرية ودفع الضرر عنها ،سيما إذا كانت تخص الصغار فهم الاولى بالرعاية من مصالح الخصوم ،مراعية بذلك مصلحة المحضون ودرء الضرر عنه ، والمحكمة عند عرض الدعوى عليها تتحرى هذه المصلحة عن طريق البحث الاجتماعي الذي يجري بواسطة المختصين وعن طريق بينة المتخاصمين وتقدر في ضوء ذلك أين تكمن مصلحة المحضون فتقضي بذلك لصالح الأم المتزوجة من الغير أو لصالح الأب اذا كان زواج الأم الحاضنة يسبب ضرر للمحضون أو يصرفها عن رعايته لأن الاصل في احكام الحضانة انها تدور مع مصلحة المحضون ،وقد فصل قانون الاحوال الشخصية العراقي ذلك في احكامه المتكاملة بهذا الصدد ...)) ([4])،

 ومما تقدم يتضح لنا أن كل من يدعي مخالفة احكام الحضانة للشريعة الاسلامية فكلامه مردود عليه ، كون ما تقدم ذكره يبين أن المشرع ومن بعده القضاء تعامل مع احكام الحضانة كونها من القواعد التنظيمية للأسرة التي تخص المحضون ولا علاقة لها بكل ما تم ذكره من قبل من  يدعي مخالفة النص للشريعة الاسلامية ، كونها تخرج من الامور العقائدية أو العبادات التي تعتبر من ركائز الاسلام ، وعندما يفصل القضاء بالنزاع فانه ينظر له بتجرد كبير عن طلبات ورغبات الخصوم فأين ما ثبت له مصلحة المحضون حُكم بها بعيداً عن الاحكام الاسلامية المتعلقة بالأجر والاثم عند مخالفتها أو تركها، وهذا ايضا ما ذهبت اليه المحكمة الدستورية العليا في جمهورية مصر العربية بقرارها الذي بين شرعية الحضانة على انها (( إن الحضانة في اصل شرعتها – هي ولاية للتربية غايتها الاهتمام بالصغير وضمان رعايته والقيام على شؤونه في الفترة الاولى من حياته ، والاصل فيها هو مصلحة الصغير)) ([5])،

 ومما تقدم نجد أن من الصعب جداً تصور فكرة أن القضاء يطبق قانون مخالف للشريعة الاسلامية ،أو الدستور باعتبار ما ورد بالنظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا  لسنة 2005 قد اورد نصاً يمكن فيه القاضي بمناسبة دعوى معروضة عليه أن يطلب البت بشرعية النص المراد تطبيقه من المحكمة الاتحادية العليا بطلب معلل للبت فيه ([6]) ، ويعد هذا نوع من انواع قبول الدعوى الدستورية في العراق ، واحد طرق تحريكها اضافة الى الطرق الاخرى المنصوص عليها قانوناً.

 

                                                                         

                                                                 علي يحيى كاظم/  طالب في المعهد القضائي

                                                                            المرحلة الثانية / الدورة (42)

 


(1) نصت المادة الثانية اولا من دستور جمهورية العراق لعام 2005 على ((الاسلام دين الدولة الرسمي ، وهو مصدر اساس للتشريع :1-لايجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام .))

(2) نصت المادة الثلاثون من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل النافذ على ((لا يجوز لأي محكمة ان تمتنع عن الحكم بحجة غموض القانون او فقدان النص او نقصه والا عد القاضي ممتنعا عن احقاق الحق ...))

(3) بهذا الخصوص ينظر نصوص المواد ((281-382-383)) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة     1969

(4) قرار المحكمة الاتحادية العليا بالعدد 98 /اتحادية /اعلام /2017 في 7/11/2017

(5) قرار  المحكمة الدستورية العليا في جمهورية مصر العربية بالعدد 7 لسنة 8 ق دستورية في 15/5/1993

(6) نصت المادة الثالثة من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم 1  لسنة 2005 على (( اذا طلبت احدى المحاكم من تلقاء نفسها ،اثناء نظرها دعوى ،البت في شرعية نص في قانون او قرار تشريعي او نظام او تعليمات يتعلق بتلك الدعوى فترسل الطلب معللاً الى المحكمة الاتحادية العليا للبت فيه ولا يخضع هذا الطلب الى الرسم ))

 

مواضيع ذات صلة