آخر الاخبار

shadow

تعليق على قرار المحكمة الدستورية العليا المصرية الصادر بالرقم 136 في 17/مارس/1984

القاضي محمد عبد طعيس

تعليق  على قرار   المحكمة الدستورية   العليا   المصرية   الصادر  بالرقم 136  في 17/مارس/1984

1-   ملخص  القرار :

( ان  الاحكام   الصادرة    بالدعاوى   الدستورية  هي  بطبيعتها   دعاوى  عينية   توجه  الخصومة  فيها  الى   النصوص   التشريعية   المطعون  عليها  بعيب  دستوري   تكون  لها  حجية  مطلقة  بحيث   لا  يقتصر  اثرها  على الخصوم   في الدعاوى   التي  صدرت  فيها  و انما  ينصرف   الاثر  الى   الكافة و تلتزم  به جميع  سلطات  الدولة   سواء  كانت   هذه  الاحكام  قد  انتهت  الى  عدم  دستورية  النص  التشريعي   المطعون  فيه  ام الى   دستوريته)

2-   الاسانيد  القانونية للقرار :

أ‌-      نص  المادة (48)  من  قانون  المحكمة الدستورية  العليا  المصرية   الذي  جاء  فيه (ان  احكام   المحكمة و قراراتها  نهائية  غير  قابلة للطعن)

ب‌-   نص  المادة (49/1) من   قانون  المحكمة الدستورية   العليا  المصرية  الذي  جاء  فيه  (  ان  احكام  المحكمة في   الدعاوى  الدستورية   و قراراتها  بالتفسير  ملزمة  لجميع سلطات  الدولة كافة)

3-    الاشكالية:

 ان كانت  الاحكام  الدستورية  لها  حجية  مطلقة  بوجه  عام  فهل  تمتد  هذه  الحجية   عند  الحكم  بعدم  الدستورية  فقط  ام تمتد  الى الاحكام  الصادرة برد  الدعوى  الدستورية  و هل  تكتسب   الاخيرة  حجيتها  بدستورية  النص  المطعون  فيه  في  كل  الاحوال  ام  تكون حجيتها  نسبية للخصوم  فقط.

4-    الفرضية:

أ‌-       ان  الاحكام  الدستورية   لها  حجية  مطلقة  سواء  انتهت   الى  عدم  دستورية   النص  التشريعي   المطعون  فيه  ام الى دستوريته

ب‌-    ان  الاحكام  الدستورية الصادرة  برد  الدعوى لا تكتسب الحجية  المطلقة  في  كل  الاحوال  و لا  تضفي   الدستورية  على   النص  المطعون  فيه  و تكون لها  حجية  نسبية  على  الخصوم و ليس   الكافة

-التعليق-

ان  التشريعات  المتعلقة   بالمسائل  المدنية و التجارية  قد  اضفت   الحجية  للاحكام  الصادرة  الحائزة قوة  الامر  المقضي  به  بما  فصلت  فيه  من حقوق  و تعلق  النزاع   بذات   الحق  محلا و سببا و  تكون  لها  حجية  نسبية  يقتصر اثرها  على  الخصوم و هي  تختلف  عن  الحجية  المطلقة  التي  لا تتقيد  بأي  شروط  و تكون في  مواجهة   الكافة  بغض   النظر  عن   اطراف   الدعوى و سبب   الادعاء , و تتجسد  هذه  الحجية  في  الاحكام الصادرة  في   الدعاوى  الدستورية  بحكم  كونها  احكاما  نهائية  غير  قابلة للطعن   بأي  شكل من الاشكال و بحكم  امتداد  حجيتها   في  مواجهة   الكافة و ليس لاطراف  الدعوى  فحسب,  و تكمن  العلة  في  منحها    الحجية  المطلقة   كون هذه  الاحكام  صادرة عن محاكم  دستورية  عهد  اليها   الدستور  الاختصاص   في  الدولة

و سياستها  اضافة لما  تقره  تلك   النصوص  الدستورية   من حماية  للحريات  و الحقوق  الاساسية  للافراد, مما 

ممارسة   الرقابة  القضائية  على القوانين  بهدف  حماية  النصوص   الدستورية التي  يرتكز  عليها  اساسا  نظام   تمارس  دورها  في  تولي  عملية  فحص  دستورية  القوانين و تبيان  مدى  مطابقتها  او مخالفتها  للقواعد  الدستورية  , وفق ما  يحمله   الدستور من علو و سمو  نتيجة  تربعه على هرم  التدرج   القانوني ,  لذلك  تستنفذ  المحكمة  الدستورية  ولايتها  بمجرد   النطق  بالحكم   الدستوري  و تكون  احكامها  نهائية  و تستمد  حجية  البتات  من  عمومية   نصوصها  و اطلاق  قطعية  احكامها و الاثر  المترتب  عليها  بحكم   عدم  قابلية   تلك الاحكام للتجزئة بطبيعتها  وفقا  للنظام   القانوني  الذي  يحكمها  خاصة  ان  المحكمة  الدستورية العليا  المصرية   قد منحت  اساسا سلطة  التصدي و الفصل   في عدم دستورية   النص  في    النزاع   المعروض  امامها  وفق   الاختصاص   المناط  بها  بموجب   الفقرة  ثانيا  من المادة (39)  من  قانون المحكمة   المذكورة ووفقا  لذلك الاختصاص لها  الفصل  من تلقاء  نفسها   في  جميع  المسائل   الفرعية في  الدعاوى  المطروحة امامها  بحكم ان  الدعوى   الدستورية  ذات  طبيعة  عينية   فالقاضي  الدستوري  لا يكتفي   بفحص   الاسباب  التي  استند  عليها الخصوم في  دعواهم   بل يتجاوزها  الى غيرها  من الاسباب    التي  يمكن  ان تعيب  القانون  المطعون فيه , و على ضوء  ذلك الاختصاص   يكون  القانون  محل   الطعن  خاضع  لسلطة  و رقابة كاملة  للمحكمة الدستورية  و هي  تتصدى  له  من تلقاء  نفسها   ان كان  فيه  ما  يتعارض  مع  الدستور , مما  يستحيل معه  ان  ياتي  خصوم اخرين  باسباب  اخرى  لم تطرح  امام  المحكمة الدستورية , و يبدو  ان هذا الاتجاه  يتوافق  مع  النصوص   القانونية   للمحكمة الدستورية   المصرية  بشان  الحجية المطلقة  للاحكام الصادرة  عنها  دون  تمييز  بين   التي  قضت  بعدم  الدستورية  او  التي  قضت  برفض   الدعوى  لاي سبب  كان,  طالما  ان   المحكمة المذكورة  قد  بسطت  رقابتها   الكاملة  على  النص   القانوني  بحكم  ما  تملكه  من سلطة   التصدي  لانها  في  حقيقة  الامر  قد مست  الموضوع  وفحصت  القانون  المشكوك في  دستوريته  و انتهت  الى مطابقته  للدستور  قبل  ان تقرر  رفض  الدعوى  لاي  سبب  كان و هذا  يعني  تحقق الفرضية التي  اعطت  للاحكام  الدستورية  حجيتها في  كل  الاحوال .

 و لكن هناك فرضية   اخرى لا  تقر  للاحكام الدستورية   الحجية المطلقة  في  كل  الاحوال  اذا ما  تعلقت  تلك الاحكام  برد  الدعوى لاسباب  اجرائية  او  شكلية  قد  تحول  دون   امكانية  فحص  القانون المشكوك  بدستوريته  و هذه  الفرضية  تنظر  الى  الدعاوى  الدستورية بحكم طبيعتها  كسائر  الدعاوى  الاخرى تخضع للخطأ  و الاجتهاد  و تستلزم  شروط و اجراءات  لقبول  الدعوى  فاذا  ما  ردت  الدعوى   الدستورية  لتلك المبررات   فان  المحكمة الدستورية   عندها  لم  تكن  قد تصدت الى  فحص  القانون  المطعون في  دستوريته  و لم تمارس  سلطتها  الموضوعية  في  البحث  عن عيوبه  مما  لا يمنح  الحكم المذكور  للقانون موضوع  الطعن  دستوريته و الا استغل  ذلك و فتح  المجال  لمصالح و مأرب  سياسية  باقامة  دعاوى  دستورية  تفتقر   الى الجوانب و الشروط   المطلوبة  قانونا من  اجل  الحصول  على قرار  بردها  بغية تحصين   القانون   المطعون فيه  مستقبلا  من اي  طعن  اخر  تحت  مأرب  و مصالح جهة  على حساب  اخرى  مما  يقتضي   المنطق  التفريق  بين  الاحكام   الدستورية الصادرة  بالرد  لدستورية  القانون نتيجة التصدي  له  و الدخول  في  صلب  الموضوع  و بين الاحكام   الصادر  برد  الدعاوى   الدستورية لاسباب  شكلية  او اجرائية  او عيب  في  بيانات  الدعوى  او مواعيدها  حيث  لا تكتسب   الاخيرة  حجيتها  المطلقة  و بامكان  الطعن  مرة  اخرى  بعدم  دستورية القانون 

ذاته و بذلك نخلص  الى نتيجة مفادها   ان  الحجية  المطلقة  لا  تحوزها  الا   الاحكام  الصادرة بعدم  الدستورية او  بدستورية  القانون  المطعون  فيه  بينما تكون الاحكام  الصادرة  برد  الدعاوى  الدستورية  لاسباب  و شروط  شكلية  لها  حجية نسبية  بين  اطرافها  فقط.

 

                       

القاضي
 محمد عبد طعيس
 نائب  رئيس  محكمة استئناف  بغداد الكرخ الاتحادية
    31/1/2021

مواضيع ذات صلة