آخر الاخبار

shadow

المرجعية الدستورية وأثرها في عمل مجلس النواب المحكمة الاتحادية العليا مثالا ..!

القاضي ناصر عمران

 

لا يمكن الخوض في متبنيات التجربة الديمقراطية وما يرشح عنها من نظام ديمقراطي محتكم الى الإرادة العامة عبر صناديق الاقتراع الا بالتماهي بين ثنائية سلطة التأسيس (الدستور) وسلطة المؤسسة (البرلمان)، فسلطة التأسيس هي حجر الزاوية التي ترتكز عليها سلطة المؤسسة والتي يشكل الدستور هيكليتها الهرمية التي تمنح السلطات الأخرى المشروعية ومنها السلطة التشريعية ولا يمكن للسلطة التشريعية المنتشية بجلباب الإرادة الشعبية ان تكون مطلقة العنان وهي تمارس آليات عملها التشريعي بعيدا عن الإطار القانوني الذي رسمته لها المرجعية الدستورية  ابتداءً من المصادقة على نتائج الانتخابات مرورا بصحة عضوية النواب واشكاليات العمل البرلماني وليس انتهاءً بنهاية الحياة البرلمانية ما اوجد الكثير من التساؤلات عن مشروعية هذه المرجعية بمقابل مرجعية الشعب المنتجة للمؤسسة التشريعية ..؟ وماهية طبيعة هذا المنتج الخارج من سلطة التأسيس المتمثل بالقضاء الدستوري والذي يتمتع بصلاحية رقابة العمل البرلماني وتوجيهه فضلا عن رقابته الدستورية على التشريع وما يتمخض عنه..؟

 والإجابة على ذلك فانه اذا كانت شرعية البرلمان تستمد من الشعب عبر انتخابه بالاقتراع العام كما ذكرنا فإن المنتج لسلطة التأسيس القضاء الدستوري يستمد شرعيته من الدور المناط به في الدستور، والذي هو التجلي الحقيقي لإرادة الشعب وسيادته، والركيزة الشرعية لكل السلطات، بما فيها شرعية المؤسسة التشريعية  كما ان القضاء الدستوري يستمد شرعيته أيضاً من الدور المناط به في الفصل في صحة تمثيل الشعب على مستوى البرلمان.

وكما اناط الدستور صلاحية التشريع بالبرلمان أناط صلاحية مراقبة دستورية القوانين والفصل في الطعون النيابية بالقضاء الدستوري. فمصدر الصلاحيات في الحالتين واحد وهو الدستور. وهكذا فان شرعية القضاء الدستوري تنبع من المهام التي أناطها به الدستور ما يقوم به القضاء الدستوري من مهام ودور بفاعلية وحيادية وتجرّد، هو ترجمان لرسالته السامية في  حماية الحقوق والحريات الاساسية التي ضمنتها دساتير الأنظمة الديمقراطية، ولم تكن تجربة القضاء الدستوري في العراق بعيدة عن توجية وتصويب عمل مجلس النواب كما هي تجارب المحاكم الدستورية الأخرى، فالمحكمة الاتحادية العليا المشكلة استنادا لأحكام المادة الرابعة والاربعين من قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية وبموجب الأمر رقم (30) لسنة 2005 والذي جاء في ذيل المادة (1) منه بعد الانشاء والمقر بان المحكمة (تمارس مهامها بشكل مستقل لاسلطان عليها لغير القانون ) ومنحت الفقرة ثانيا من المادة (4) المحكمة صلاحية الفصل في المنازعات المتعلقة بشرعية القوانين والقرارات والانظمة والتعليمات والاوامر الصادرة من اي جهة تملك حق اصدارها والغاء التي تتعارض منها مع قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية والذي حل محله دستور جمهورية العراق الصادر في 28/12/ 2005 ،والذي نص على ان المحكمة الاتحادية العليا هي من مكونات السلطة القضائية في المادة (89) الدستورية واردفها في المواد (92، 93 ، 94) التي شكلت الفرع الثاني من الفصل الثالث من الدستور العراقي والذي تم التأكيد فيه على استقلالية المحكمة الاتحادية كهيئة قضائية واختصاصاتها وهي الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة وتفسير نصوص الدستور والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية ويكفل القانون حق الطعن المباشر لدى المحكمة.

كما لها حق الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية والفصل في المنازعات التي تحصل بين حكومات الأقاليم والمحافظات فضلاً عن صلاحية المحكمة في الفصل في تنازع الاختصاص القضائي بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية في الأقاليم والمحافظات او لتنازع بين الهيئات القضائية بين الإقليم والمحافظات والفصل في الاتهامات التي توجه لرئيس لجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء مع تنظيم ذلك بقانون، كما لها المصادقة على نتائج الانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب)  وان قرارات المحكمة الاتحادية العليا ملزمة للسلطات كافة، وما كان العمل في مجلس النواب وما رافقه من منازعات بعيدا عن لحاظ الرقابة الدستورية وكانت هي المرجع في فض المنازعات و ما القرارات الاخيرة للمحكمة الاتحادية العليا بالغاء انعقاد جلستي مجلس النواب ليوم14 /4/2016 و26 /4 / 2016  بموجب قرار ها بالعدد 38/ اتحادية /2016 بتاريخ 28 /6/2016 لمخالفتهما للدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب والذي على اساسه تم انتظام عمل مجلس النواب وتصحيح الخلل وتحقيق التوازن في داخله بين الاعضاء ورفع مستوى الاداء الا دليل على اهمية المرجعية الدستورية في العمل البرلماني.

 وتأكيد على ان القانون هو نتاج عمل ثلاث مؤسسات، تتنافس في العمل التشريعي، وهي الحكومة التي غالباً ما تكون المبادرة في وضع مشاريع القوانين وهو ما ارساه قرار المحكمة الاتحادية  رقم القرار – 43/اتحادية/2010 تاريخ القرار- 12/7/2010  الذي اعتبر السلطة التنقيذية هي المختصة بتقديم مشاريع القوانين للبرلمان والبرلمان الذي يناقش هذه المشاريع ويصوّت عليها وحسب صلاحياته الدستورية الواردة في المادة (61 /اولا ً ) من الدستور، والقضاء الدستوري الذي يمكنه ابطال بعض نصوص القانون وإرشاد البرلمان لتصحيحه واقرار دستورية وعدم دستورية القوانين والانظمة والتعليمات.  وهذه الثلاثية هي المرتكز الاساس لبناء دولة المؤسسات القانونية والدستورية في النظام الديمقراطي

مواضيع ذات صلة