آخر الاخبار

shadow

القضاء الدستوري مهمة المحكمة الاتحادية العليا

القاضي عماد عبدالله محمد

اختارت الشعوب المتحضرة في العصر الحديث الدستور ليكون الوثيقة التي تسير عليه الدولة والمواطن حيث يحتوي الدستور المبادئ الاساسية التي تبين شكل الدولة وتوزيع السـلطات فيها والسياسة العـامة للدولة وكذلك يبين حقوق الافـراد والتزاماتهم وقد أخذ الدستور سموه كونه القانون الاعلى في الدولة وعلى الجميع الالتزام به وان تكون القوانين الاخرى منسجمة معه وتستمد منه القواعد الأخرى شرعيتها وصحتها : أي أن الأعمال الإدارية ( اللوائح والقرارات الفردية والأعمال الإدارية المختلفة) لا تكون شرعية وسليمة إلا إذا كانت مطابقة للقوانين والدستور والقوانين بدورها لا تعد شرعية وسليمة إلا إذا كانت مطابقة للقواعد الدستورية .

 وتختلف الدساتير من دولة الى اخرى من حيث النشأة فمنها مايتم عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة ومنها مايتم عن طريق الاستفتاء الدستوري وتختلف الدساتير ايضا من حيث تعديلها فمنها مايكون مرن يعدل كما تعدل القوانين بواسطة السلطة التشريعية ومنها مايكون جامد تعديله يحتاج الى استفتاء الشعوب عليه  ومهما كان نوع الدستور فانه يعتبر بمثابة شهادة تأسيسية للدولة يمكن الذي يطلع عليه من معرفة النظام الاساسي لتلك الدولة  وبيان نظامها السياسي والقانوني والاجتماعي والاقتصادي لذك حرصت اغلب الدول على أيلاء اهمية بالغة للدستور كونه القانون الاعلى الذي تسير عليه الدولة  ونظر لذلك فقد نصت اغلب الدساتير على الجهة الرقابية التي تتولى حماية الدستور وتراقب عمل سلطات الدولة كافة ومراقبة القوانين والقرارات التي تصدر عن تلك السلطات ومدى مطابقتها للدستور  

لقد اختار الدستور العراقي النافذ لعام 2005 المحكمة الاتحادية العليا ضمن السلطة القضائية لتكون هي الجهة الحامية للدستور واشار الى طبيعة عملها حيث نص في المادة 93 منه على ان المحكمة الاتحادية العليا تتولى الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة وكذلك تختص  بتفسير الدستور والفصل في القضايا التي تنشاء عن تطبيق القوانين الاتحادية والفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والفصل في المنازعات التي تحصل بين حكومات الاقاليم والفصل في الاتهامات الموجه الى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء والمصادقة على نتائج الانتخابات البرلمانية ...الخ)كما اشارت المادة 94 الى ان قرارات المحكمة تكون باته وملزمة للسلطات كافة ونظرا لتقسيم القوانين لانواع مختلفة منها القوانين العامة كالقانون الدستوري والاداري والمالي وقوانين خاصة كالقانون المدني والتجاري فان هذا التقسيم كان له اثر في ظهور قضاء مختص بقوانين معينة متخذا تسميته من اسم القانون الذي يتعامل معه كالقضاء العادي والقضاء الاداري والقضاء الدستوري يعتبر القضاء الدستوري من اهم فروع السلطة القضائية كونه يختص بالدستور وهو القانون الاعلى في الدولة حيث تولت المحكمة الاتحادية العليا هذه المهمة وباشرت مهمة النظر في دستورية القوانين والقرارات والمهمات الاخرى التي حددها لها الدستور ولماكانت المحكمة الاتحادية بهذه الاهمية كان لابد ان يتصدى لهذه المهمة رجالات القضاء الذين هم اهل اختصاص بهذا الامر كونهم امضى اغلبهم سنوات طويلة في المحاكم هذه السنوات الطوال اكسبتهم الخبرة القضائية والقانونية والفقهية ليكونوا بالمستوى المطلوب ليتولوا هذه المهمة الخطيرة التي تحتاج الى الخبرة القضائية والحكمة في نفس الوقت . وقد اصدرت المحكمة العديد من القرارات التي كانت مهمة من حيث القوة وحجم وطبيعة تلك القرارات . لقد قامت المحكمة الاتحادية العليا بوضع النظام الداخلي رقم 1لسنة 2005 اسنادا الى المادة 9 من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 وقد تضمن النظام الداخلي اليات سير الاجراءات في المحكمة وطريقة اقامة الدعاوى والطعون امام المحكمة المذكورة وهو يمثل الجانب الاجرائي في عمل المحكمة لقد شكلت المحكمة الاتحادية العليا ممارسة ديمقراطية في دولة المؤسسات والقانون حيث اصبح الجميع يحتكم اليها في الفصل في المسائل التي حددها الدستور لتصدر قراراتها التي تفرض الزامها على الجميع مما ينهي الخصومات بطرق قانونية وبذلك شكلت المحمكة المذكورة مرتكز اساسي لبناء النظام الديمقراطي في الدولة العراقية الحديثة .لم تخلو المحكمة من انتقادات وهذا امر طبيعي لاننا عرفنا من خلال عملنا في المحاكم انه هناك طرف سيخسر الدعوى وانه غالبا مايوجه اللوم الى المحكمة ومنهم من يتحلى باحترام القانون ويتقبل قرارات المحكمة بصدر رحب وحيث ان المحكمة المذكورة هيئة قضائية فانها تتشكل من مجموعة القضاة ولايجوز اشراك غيرهم في المحكمة . وان المشروع الجديد الذي يتداوله مجلس النواب في الوقت الحاضر بخصوص اشراك رجال الدين والفقهاء في المحكمة الاتحادية من شان ذلك ان  يثير نقاشات حول شروط الحياد الذي يجب ان تتوفر في المحكمة الدستورية وهو ماقد يؤثر على عمل المحكمة ومصداقية قراراتها المتخذة .ان القضاء الدستوري هو قضاء حديث يتطلب معه ان تكون المحكمة الذي تنظره بمستوى عالي من الخبرة والحكمة وان تقتصر فقط على القضاة لاان يشرك غيرهم فيها لان ذلك سيكون عكس التطور والحداثة وسيعطي انطباع سيء عن عمل المحكمة التي يتوجب ان تتسم بالحيادية والمهنية العالية حتى تكون بالمستوى المطلوب ان دستور أي دولة قابلا للخرق والاهمال وعدم التطبيق اذا لم تكن هناك ضمانات فعالة تضمن استمرارية تطبيقه ومن هذه الضمانات الرقابة القضائية المتمثلة بالمحكمة الاتحادية العليا حيث تمتاز الرقابة القضائية بانها رقابة موضوعية ذات مضمون قانوني بالاضافة الى كونها حيادية هدفها تطبيق القانون بعيدا عن الانتماءات السياسية والطائفية كونها هيئة قضائية مستقلة.

ان المحكمة المذكورة  تشكل احدى الضوابط والتوازنات التنظيمية المهمة التي تحول دون اعتداء السلطات العامة على الدستور لذك تعد عماد مشروع دولة القانون في العراق الحديث وتشكل القضاء الدستوري ضمن السلطة القضائية  هذا القضاء الذي اخذ اهميته من اهمية الدستور اخيرا فان نجاح الدولة ونجاح أي تجربة ديمقراطية في أي دولة يعتمد في احد اهم اركانه على وجود قضاء مستقل يختص به فقط القضاة المؤهلين لهذه المهمة لانهم سيكون لهم الكلمة الفصل في النزاعات التي قد تنشأ اثناء عمل سلطات الدولة المختلفة  .

مواضيع ذات صلة