آخر الاخبار

shadow

أنتم المذنبون أم المحكمة الاتحادية العليا!؟

د. يوسف محمد صادق

 

   منذ بعض الوقت، تشن السلطات في إقليم كوردستان، وخاصة قمة هرم السلطة داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني، بإطلاق حملة واسعة ضد قرارات المحكمة الاتحادية العليا ويريدون ربط كل الأزمات والمشاكل الحالية في إقليم كردستان بقرارات تلك المحكمة واعتبارها سبباً في إضعاف الإقليم! لكن السؤال الأساسي هو: هل مشاكل الإقليم السياسية والمالية بدأت فعلاً بقرارات هذه المحكمة أم بسبب سوء إدارة حكومة الإقليم وفسادها؟

لقد قامت السلطة في إقليم كوردستان ببيع النفط بشكل مستقل وبدلاً من الإتيان بالرفاهية والإزدهار، كافأت المواطنين بالإدخار الإجباري والإستقطاع الكلي أو الجزئي لرواتب ما يقارب من ستين شهراً من السنوات الماضية! لقد قاموا ببيع النفط وبدلاً من إنشاء صندوق الادخار الاستراتيجي من العائدات النفطية، يتحدثون هم بنفسهم عن الديون البالغة 27 مليار دولار التي جلبوها على الشعب الكردي! بسبب الكثير من القلة الخبرة في إدارة ملف النفط أينما قدمت شكوى ضدهم خسروا في جميعها، خسروا في المحاكمات الأمريكية ولندن وباريس، وبسبب هذه المحاكمات أيضاً خسروا مليارات الدولارات وألحقوا ضرراً بالغاً بإقليم كوردستان! والآن بعد أن أُغلق خط أنابيب النفط بسبب قرار هيئة التحكيم في باريس، يستغلون ذلك للاختباء من الإفصاح عن إيرادات بيع النفط ، والتي يتم الحديث عن بيع أكثر من (250 ألف) برميل يومياً وهذا بالإضافة إلى الإيرادات غير النفطية والتي بحسب اعترافهم تزيد على 300 مليار دينار شهرياً.

من هنا، فإن القرارات الأخيرة للمحكمة الاتحادية العليا ليست مصدرا للمشاكل، بل وأيضا حل مناسب للأزمات المعقدة والعميقة الحالية في الإقليم. على سبيل المثال، في القرار الأخير لهذه المحكمة بخصوص الرواتب رقم (224، 269 / إتحادية / 2023)، ولأول مرة منذ عام 2015، جرى فصل مسألة رواتب الموظفين والمتقاعدين ومستفيدي شبكات التواصل الاجتماعي عن كل المشاكل المتراكمة بين الإقليم وبغداد وخاصة في قطاع النفط والغاز. هذا هو المطلب الذي طالبنا به جميعا على مر السنين، لكن للأسف سلطات حكومة إقليم كردستان لا تزال تفكر في مصالحها الخاصة. وأرسلت بغداد رواتب الشهر الثاني لأغلب موظفي ومتقاعدي إقليم كردستان (نحو 600 مليار دينار) منذ حوالي أسبوعين، ولكن بدلاً من توزيعها عليهم، لقد أخذوها رهينة لبعض مطالبهم الأخرى مثل إرسال رواتب القوى الأمنية والمسلحة بدون قيود أو شروط من جانب الحكومة الإتحادية. لذلك فإن السلطات في الإقليم نفسها هي مصدر المشكلة، وليس قرارات المحكمة الاتحادية العليا، وإلا فلينفذوا عملية توطين رواتب جميع الموظفين والمتقاعدين ومستفيدي شبكة الرعاية الاجتماعية في الإقليم حسب قرار المحكمة الاتحادية العليا، والمطالبة بجميع رواتب الموظفين المستحقة من خلال إعادة العمل بترفيع الموظفين، ومساواة رواتب المتقاعدين مع نظرائهم في وسط وجنوب العراق حسب قرار هذه المحكمة ذي العدد (٢١٢ / إتحادية /٢٠٢٢).

الاستنتاج أعلاه ينطبق أيضاً على قانون انتخابات برلمان كردستان. اذا لم يتخذ الحزب الديمقراطي الكردستاني تمثيل كوتا المكونات رهينة لسياساته ومصالحه الخاصة، والقيام بعرقلة تحويل وجودهم القوي في برلمان كوردستان إلى مصدر لتعميق التعايش المشترك من خلال تمثيلهم الحقيقي عبر قواهم الرصينة بدلاً من التمثيل الزائف لهم، ومنع تعديل قانون الانتخابات في برلمان الإقليم الذي كان مطلب غالبية الكتل السياسية في الإقليم، لما اضطرت هذه الأحزاب إلى رفع دعوى أمام المحكمة الاتحادية العليا بخصوص ذلك.

تريد سلطات الإقليم أن تروّج إلى أن المحكمة الاتحادية في السنوات القليلة الماضية إتخذت القرار في أية دعوى تُرفع ضدهم أمامها "لإضعاف كيان حكومة إقليم كردستان"! وخلافاً لهذا الرأي، فقد رفضت هذه المحكمة خلال السنوات الثلاث الماضية ما لا يقل عن (20) دعوى حول عدم دستورية صلاحيات الإقليم، وعدم دستورية مفوضية الانتخابات في الإقليم، وعدم دستورية القوانين والقرارات لسلطات الإقليم وعدم صحتها. وفيما يلي أرقام بعضها: (٦٩ / ٢٠١٩)، (٧٩ / ٢٠١٩)، (٨١ / ٢٠٢١)، (٤٧ / ٢٠٢٢)، (٢٧ / ٢٠٢٢)، (٨١ / ٢٠٢٢)، (١٥٦ / ٢٠٢٢)، (٢٠٧ / ٢٠٢٢)، (٢١٦ / ٢٠٢٢)، (٨٧ / ٢٠٢٣)، (١٣٤ / ٢٠٢٣)، (١٤٠ / ٢٠٢٣)، (٢٠٢ / ٢٠٢٣)، (٢٧٠ / ٢٠٢٣)، (٢٤٧ / ٢٠٢٣). في الوقت نفسه أن معظم القرارات التي أصدرتها هذه المحكمة بخصوص السلطة في الإقليم كانت بناء على طلب مواطني الإقليم، مثل القرارات التالية: (١٤٣ / ٢٠١٨)، (٢١٢ / ٢٠٢٢)، (٢٣٠ / ٢٠٢٢)، (٢٣٣، ٢٣٩، ٢٤٨، ٢٥٣ / ٢٠٢٢)، (١٢٤ / ٢٠٢٣)، (١٧٨ / ٢٠٢٣)، (٢٢٤ و٢٦٩ / ٢٠٢٣)، (٨٣، ١٣١، ١٨٥ / ٢٠٢٣).  ولو لم يتم إضعاف المحاكم في الإقليم والتشكيك في استقلالها، لكان من الممكن أن يتم الفصل في معظم هذه القضايا في الإقليم بدلاً من المحكمة الاتحادية العليا. لكن بحسب الدستور العراقي (الذي صوتت عليه أغلبية الشعب الكردي بناءً على طلب السلطات إقليم كوردستان)، منحت للمحكمة الاتحادية العليا بعض الصلاحيات التي لا تتوافر لدى المحاكم الأخرى، لذلك يحق لمواطني إقليم كوردستان، كغيرهم من المواطنين العراقيين، الترافع أمام هذه المحكمة والدفاع عن حقوقهم بما يتناسب مع صلاحياتها.

ورغم أننا لا نحب أن نقول "لقد قلنا ذلك" و"توقعنا ذلك" في كل مرة، وقد أصبح ذلك قبيحاً للغاية، ولكن الحقيقة هي أننا كنا نعلم أن هذه الطريقة الخاطئة في الحكم ستوصلنا إلى يومنا هذا. على سبيل المثال، في مارس 2021، حذرنا السلطة في الإقليم من التوصل إلى اتفاق متوازن مع بغداد قبل أن تتولى المحكمة الاتحادية العليا مهامها من جديد وبتها في الدعاوى المنظورة أمامها بخصوص نفط الإقليم، وإلا فلن يعجبكم قرار المحكمة(1). وبعد قرار المحكمة الاتحادية بشأن قانون النفط والغاز إقليم كوردستان، طالبنا منهم التوصل إلى اتفاق مع بغداد في ضوء القرار ذلك قبل اتخاذ القرار بشأن شكوى المرفوعة من جانب العراق ضد تركيا أمام لجنة التحكيم التابعة لغرفة تجارة باريس دون جدوى (2). والآن يجب أن نقول لهم نرجوكم لا تعاندوا، وإلا فإن ثمن العناد هذه المرة قد يكون تقسيم الإقليم بالكامل إلى شطرين.

الخيار الأفضل لإقليم كردستان وسلطاته الآن هو تنفيذ قرارات المحكمة الاتحادية العليا، خاصة في مجال توطين رواتب جميع الموظفين والمتقاعدين والمستفيدين من شبكة الضمان الاجتماعي، وبهذه الطريقة، سيتم إزدهار حياة المواطنين في الوقت نفسه سيتم إحياء التنمية الاقتصادية للإقليم.

ولهذا السبب فإن أغلبية شعب كوردستان تؤيد تنفيذ قرارات المحكمة الاتحادية العليا. وعلى حكومة إقليم كردستان أن تضع مصالح الشعب الكردي فوق كل اعتبار وأن تنفذ قرارات المحكمة الاتحادية العليا دون تأخير.

 

مواضيع ذات صلة