آخر الاخبار

shadow

الثقة بالمحكمة الإتحادية لا يمكن التفريط بها

أ.د. أمين عاطف صليبا

    لقد انتابني القلق على المحكمة الإتحادية العليا في العراق بعد قراءتي ما كتبته جريدة الشرق الأوسط نهار الخميس 21 /3 /2024 (الصفحة 7) في تحقيقها الوارد من بغداد،بعنوان (نائب عراقي يفجر مفاجأة.....)،لكن صباح هذا اليوم الجمعة 22 /3 /2024 بعد ان قرأت في الصفحة الثالثة من الجريدة عينها، تحقيقاً من مراسلها في بغداد"حمزة مصطفى" بعنوان (حملة سياسية لتأييد القضاء ضد حملة ممنهجة....) فقد خفَّ قلقي على المحكمة! أقول ذلك من موقعي الأكاديمي الذي تعمًقت به منذ اكثر من ربع قرن، وذلك في مجال القضاء الدستوري وإجتهاداته حول العالم.

لذلك أنطلق من موقعي الحيادي للتعقيب على هذه الحملة التي تتعرض لها المحكمة الإتحادية العليا والتي هي واضحة الأسباب من كونها سياسية أكثر مما هي دستورية، والأمر واضح في المقالتين المشار اليهما أعلاه. لقد سأل احد طلاب الفيلسوف الصيني "كونفوشيوس" في قديم الزمان، يا معلم ما هو الأمر المهم الذي على الحاكم (القاضي) أن يتمسك به؟ اجابه ثقة الشعب لأنه من دونها لا يمكنه المتابعة!! رأي يُحترم ويؤخذ به. لذا على الشعب العراقي بغالبيته أن يحافظ على ثقته بالمحكمة الإتحادية،التي هي صمام الأمان للنظام السياسي القائم في العراق، خاصة بغياب مجلس الإتحاد (المادة 65 من الدستور) لأن كلا المؤسستين هما حراس النظام الإتحادي، حيث من الواضح أن المشرع الدستوري قد وقع في خطأ جوهري،عندما أناط مسألة تأسيس هذا المجلس بقانون يصدر عن المجلس النيابي بأغلبية ثلثيه، حيث ظهرت النية بعد حوالى عقدين من إقرار دستور 2005 بأنه لا رغبة لدى القوى السياسية بإنشاء هذا المجلس. من هنا أتوجه الى المتنورين والى غالبية الشعب العراقي بأنه يُعوّل عليكم لإبقاء الثقة في هذه المحكمة،وهي قد تتخذ قراراً تفسيرياً لأي قاعدة دستورية وفق ما يتفق الأعضاء عليه،لكن هذا لا يعني وصم المحكمة بالانزلاق نحو تعرجات السياسة،كونه ما دخلت السياسة شيء إلاّ أفسدته وهي قاعدة مُجمع عليها في الفكر السياسي العالمي.في الختام أود أن أشير أن قدر القاضي الدستوري أن يبقى عرضة للأنتقاد السياسي فيما يتعلق بقراراته المُبطلة لبعض القوانين،وهذا امر طبيعي أن تعترض على دوره القوى السياسية الداعمة لهذا القانون أو ذاك.تبقى مسألة أساسية يجب أن لا تُهمل من قبل المختصين في القضاء الدستوري،وهي ضرورة المناقشة الموضوعية لأي قرار تصدره المحكمة الإتحادية بشأن الموقف الدستوري المعتمد من قبلها،لأن في ذلك غنى وربما تقويم للمستقبل حول كيفية التعاطي مع هكذا موقف دستوري،ويكون نقاشاً فقهياً تتم من خلاله عرض الآراء المستندة الى آراء مقتبسة عن الإجتهاد الدستوري العالمي،وهذا ما يُغني الفقه الدستوري من خلال تلك النقاشات الموضوعية،وهنا أريد أن اوضح مسألة هامة، وهي انه لدي موقف من مسألة دستورية "الكوتا" المعتمدة من قبل المحكمة الإتحادية،لكنني لا أتهمها بالانحراف السياسي من خلال قرارها، المناقض لموقفي،حيث أرى أن الكوتا تعتبر وفق الإجتهاد الدستوري بأنها ضرورية ضمن معايير مُحدّدة،تُتيح للقاضي الدستوري الخروج عن مبدأ المساواة،حيث يعتبر هذا التمييز من باب "التمييز الإيجابي" وليس السلبي،على وفق ما هو مستقر عليه الإجتهاد الدستوري حول العالم،وهذا ما ينطبق على روحية الفقرة الرابعة من المادة 49 من الدستور العراقي،لجهة فرضه تمثيل المرأة بنسبة لا تقل عن ربع عدد أعضاء المجلس النيابي!!وهنا هل يمكن أن نتهم النص الدستوري بأنه خالف المادة 14 من دستور 2005!

على هذا الأساس أدعو الى كلمة سواء بين القوى السياسية بحيث يتم الإتفاق على عدم زعزعة الثقة بالمحكمة الاتحادية، وأن يؤخذ بروحية المقالة التي نشرت نهار 22 /3 /2024 الواردة اعلاه،كي نزرع الثقة بدور هذه المحكمة التي أتابع جميع قراراتها حيث يكون لي بعض التحفظات على حيثياتها،لكنني أبقى محافظاً على ثقتي بها،إذ في حال تزعزعت الثقة أُنبِّه الى ما قاله الفيلسوف الصيني بأن ذلك يُشكِّل خطراً على هذه السلطة الدستورية التي جاءت لحماية الدستور وصون النظام الإتحادي في العراق! متمنياً على من يقرأ موقفي هذا بأن لا يعتبره من باب المجاملة،بقدر ما هو موقف فقهي مُتجرد مُدرِك للأخطار التي قد تتعرض لها المحكمة في حال تزعزعت ثقة المتنورين والشعب بدورها!

مواضيع ذات صلة