آخر الاخبار

shadow

الثقة الشعبية بالمحكمة الاتحادية العليا

م.د. اسامة شهاب حمد الجعفري / جامعة الفرات الاوسط التقنية

 

    ان النواب وهم المنتخبون من قِبل الشعب مباشرة قد حلفوا اليمين على احترام الدستور يكونون احرص على تطبيق الدستور من أي مؤسسة دستورية أخرى. إلا ان الواقع اظهر لنا تسعة قضاة اعضاء المحكمة الاتحادية العليا الاصليين غير المنتخبين من قِبل الشعب لهم مكانة شعبية اكبر من مكانة البرلمان المنتخب من الشعب وتنال قراراتهم الرضا الشعبي والتأييد الجماهيري. هذه الثقة الشعبية التي نالتها المحكمة الاتحادية العليا استندت الى أُسس ومبادئ راسخة في ضمير الشعب، ومن هذه الأسس هي انه بالقدر الذي يعبر البرلمان عن ارادة الاكثرية فإن المحكمة تعبر عن الارادة العامة للشعب, وذلك لان جوهر العمل الوظيفي للمحكمة الاتحادية العليا هو الانتصار للإرادة الشعبية على ارادة نواب الشعب, فالدستور هو الارادة الشعبية المباشرة والصريحة. والقوانين التي يصدرها البرلمان تمثل الارادة الشعبية غير المباشرة. فيكون جهد المحكمة اسمى من أي وظيفة في الدولة لأنه يتركز على إبراز تلك الارادة الشعبية العليا المدونة في الدستور, واخضاع الجميع لتلك الارادة, الامر الذي يبرر اخضاع القانون التي ينتجه نواب الشعب لرقابتها. وهي اذ تمارس هذه الوظيفة فإن الشعب يزداد ثقة بها عندما يرى نفسه انه محور وظيفة هذه المحكمة وغايتها الكبرى وحاضراً في قراراتها وتفسيراتها الدستورية بكل قوة, لتعطي لهذه الكلمة الدستورية "الشعب" مضمونها القاعدي الكامل والمؤكد, فهي تحتضن هذه الكلمة كشعلة من خلال رقابته على دستورية القوانين وتفسير نصوص الدستور لتؤكدها في نهج السياسة العامة للدولة, فبدونها تضحى هذه الكلمة بغير مضمون قاعدي وفاعلية, وتتفسخ وتنحل الى مجرد ضجيج كما قال الفقيه القانوني الفرنسي .Oliver Cayla

لكن اذا كان عمل المحكمة الاتحادية العليا هو ابراز الارادة الشعبية المباشرة فهل يعني ذلك انها تتأثر بالرأي العام عند اصدار قراراتها؟

 هناك ارادة ورأي, ارادة شعبية مباشرة وثابتة وصريحة مدونة في وثيقة قانونية واجبة الاحترام هي "الدستور", وهناك رأي, مجرد رأي يسمى "الرأي العام" وهو رأي متغير ولا يمكن ضبطه وغالباً ما يكون مصنوعاً تحت قوة وسائل الاعلام المتحالفة مع القوى السياسية التي تحاول التأثير دوماً على قناعة المحكمة الاتحادية العليا, والمحكمة تسعى جاهدة لحماية الارادة الشعبية العامة الثابتة والمدونة في الدستور, فإن اتفق الرأي العام مع الارادة الشعبية الثابتة المتجسدة بالدستور يدخل الرأي العام ضمن حماية المحكمة لأنه يتفق مع الدستور, واذا ما تعارض هذا الرأي مع الارادة الشعبية المدونة في الدستور فإن المحكمة ترجح حماية الارادة على الرأي لأنها الأجدر بالحماية وأكثر إلزاماً للمحكمة. ومن هنا فأن قوة المحكمة ومصدرها تنبع من عدم التأثر بالرأي العام, وعدم خضوعها له, وعدم الخضوع له لا يعني الصراع معه، وإنما هي ملزمة امام الشعب بالتزام دستوري واخلاقي لا يجب التفريط به وهو الالتزام ببيان الحقيقة للشعب بكل امانة ونزاهة فكل قرارات المحكمة عنواناً للحقيقة, وبذلك تكون الموجه للرأي العام نحو الحقيقة ليكون رأي عام منضبط ودستوري. فبات الشعب ينتظر الحقيقة من قرارات المحكمة ولا يسمع الحقيقة الا من منصتها القضائية. الامر الثاني الذي جعل المحكمة تتمتع بمكانة عالية عند الشعب ان كل مواقف هذه المحكمة كانت الى جانب حماية الديمقراطية من الفشل في العراق دون اعتبار للمراكز السياسية للخصوم, وردع كل التعديات من قبل السلطة التشريعية او الحكومة التي تنال من الديمقراطية كمنهج ثابت في العمل السياسي, واصبح الشعب يراها معقل تلك الحماية والانتقال الهادئ نحوها. اضافة الى انها خلقت بيئة سياسية تتمتع بجو تنافسي مشروع متساوي لكل الاحزاب والتيارات السياسية الامر الذي هذب التنافس السياسي بين الاحزاب والتيارات السياسية على المنافسة السلمية. الامر الثالث الذي منح الثقة الشعبية بالمحكمة الاتحادية العليا هو ان المحكمة في قناعة الشعب ووجدانه اصبحت ضرورة لضمان وجود مرجعية عليا تضمن الانتظام القانوني وهرميته في الدولة تمتلك سلطة تفسير وتطبيق الدستور بدلاً من اسنادها الى السلطة التقديرية التي توجهها المصالح السياسية للنواب وجماعات الضغط, لذا فإن القناعة العامة للشعب ثابتة بأن المحكمة هي الأكثر ضمانة والأكثر حياد في تعاملها مع الدستور والقوانين, فتعامل المحكمة مع الدستور تعامل قانوني بحت خالي من أي مصالح سوى مصالح الشعب بالوقت الذي اعتاد فيه الشعب على تعامل النواب مع الدستور تعامل سياسي بحت الذي لا يقود الى رؤية واضحة ولا الى انتظام قانوني. ويبدو ان الشعب مرتاح لممارسة المحكمة الاتحادية العليا وانه يناصر هذه المحكمة دوماً, ويشعر بالرضا والقبول بأدائها وانجازاتها وهذا القبول نابع من ثقة الشعب بها.

 

مواضيع ذات صلة