آخر الاخبار

shadow

حرية انتماء عضو مجلس النواب العراقي للنقابات والاتحادات المهنية تعليق على قرار المحكمة الاتحادية العليا بالرقم (171/اتحادية/2023) الصادر بتاريخ 21\9\2023.

المستشار القانوني د. عباس مجيد الشمري

     أصدرت المحكمة الاتحادية العليا القرار المذكور آنفاً ، على وفق طلب مقدم من رئيس مجلس النواب يتضمن طلب تفسير لنص المادة (49/سادساً) من دستور العراق لسنة 2005، التي تنص على (لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس النواب ، وأي عمل ، أو منصب رسمي آخر) ، وبيان مدى تعارض الانضمام والعمل في المنظمات غير الحكومية والنقابات مع عضوية مجلس النواب ، وفقاً للنص المذكور وقد اجابت المحكمة عن الطلب بالقول ان ( العمل في المنظمات غير الحكومية والنقابات لا يتعارض مع عضوية النائب في مجلس النواب) ولنا التعليق على هذا القرار نوضحه بالآتي:

أولاً : أسست المحكمة الاتحادية القرار المذكور انفاً، الى ان حق العمل مكفول بأحكام الدستور العراقي لسنة ،2005 ولا يجب تقييده إلا بحدود قانون صادر بهذا الشأن أو بناءً عليه  [1]، إذ أن أحكام المادة (22/أولاً) من الدستور تضمنت الاشارة الى حق العمل بالنص على أن ( العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة ) ، وعليه فإن العمل حق لكل عراقي مادام هو قادر على أداء الاعمال التي يراها تناسب قدراته ومؤهلاته ، ولا يمكن تقييد هذا الحق إلا وفق أحكام القانون؛ لان الحقوق ومنها حق العمل ، وان كان كل فرد من أفراد المجتمع يحق له العمل، ولكن يجب ان يكون منظم بتدخل الدولة من خلال أحكام الدستور والقانون[2]، إذ أن العمل ومبدأ حرية العمل انتابه تطور كبير اخذ حيزاً مهماً ، فبعد ان اخذ العمال بتنظيم صفوفهم فقد انتموا للنقابات بعد ان كانوا لا يختلفون عن السلع في الاسواق في الفترات الماضية  عليه ،  فإن ذلك أدى الى تطورٍ يمكن القول إنه أوجد مبادئ معتمدة جديدة، ومنها حرية العمل ، وان الدولة ملزمة بإيجاد فرص العمل والفرد حر باختيار العمل الذي يناسبه وفق ما تضعه السلطة من شروط عامة فضلاً عن مبادئ أخرى تصب في مصلحة العامل بوصف العمل من الحقوق التي يتمتع بها أي مواطن ضمن نطاق الدولة[3]، ولذلك فإن احكام المادة (46) من الدستور تضمنت الإشارة الى ذلك بالنص على أن (لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها الا بقانون أو بناءً عليه، على ألا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية) ،لأن الحقوق جرى تنظيمها بموجب أحكام الدستور، وفي حال إصدار السلطة التشريعية لأي قانون يؤدي الى تقييد هذا الحق، فان ذلك يعني انحراف عن التشريع ، وهو ما يعني خضوع ذلك لرقابة القضاء الدستوري[4]، وعليه فإن الدستور بيّن أنه يمكن تقييد هذا الحق ولكن وفق أحكام القانون  ، إذ أن ذلك يعني أن السلطة التنفيذية بوصفها -الجهة المعنية بالوظيفة التنفيذية-  [5] بإمكانها أن تضعَ قواعد قانونية تقوم بمقتضاها تعيين شروط لغرض ممارسة بعض الاعمال، ومنها موضوع الدعوى طالما لم تخالف نصوص قانونية وهنا تسمى سلطة الادارة بالسلطة التقديرية  [6].

ثانياً: بينت المحكمة مفهوم مصطلح (العمل) ومفهوم مصطلح (الرسمي) وتناولت ذلك المحكمة في معرض  بيان التفسير لمفهوم العمل ، بأنه الجهد المبذول في النشاطات الانسانية كافة، و في المجالات الصناعية أو التجارية أو الزراعية أو غيرها ، ونشير الى أن العمل ورد تعريفه في قانون العمل رقم (37) لسنة 2005  بأحكام المادة (1/خامساً)  بالنص على ( كل جهد انساني فكري أو جسماني يبذله العامل لقاء أجر سواء أكان بشكل دائم أم عرضي أم مؤقت أم جزئي أم موسمي ) ، وعليه فإن العمل وفق هذا التعريف يكون بأجر ، أما العمل بدون أجر أو العمل التطوعي ، فإنه يخرج عن مفهوم العمل وفق قانون العمل، لا سيما ان مفهوم العمل بصورة عامة هو أوسع من مفهوم العمل وفق قانون العمل بوصف العمل، أما ان يكون بأجر أو بدون أجر، ويضمن الدستور العراقي الحق في الانتماء الى النقابات والاتحادات المهنية كما في احكام المادة(22/ثالثاً) من الدستور التي نصت على ( تكفل الدولة حق تأسيس النقابات والاتحادات المهنية، أو الانضمام إليها، وينظم ذلك بقانون)[7]، وعليه فإن الانتماء والعمل في النقابات والاتحادات مكفول للجميع على ان يكون ذلك وفقاً لاحكام القانون الذي ينظم شروط التأسيس أو الانتماء لهذه النقابات أو الاتحادات ، إذ ان الدستور العراقي تبنى فلسفة الحكم الديمقراطي، ومنها الحقوق السياسية والاقتصادية وتبنى حمايتها وفق أحكام القانون، وبما يحقق العدالة والمساواة بين افراد الشعب العراقي طالما ان القانون لا يُعد الانتماء من عضو مجلس النواب للنقابات  خرقاً لأحكامه وفق الصلاحيات المحددة للعضو[8].

ثالثاً: بينت المحكمة مفهوم مصطلح الرسمي لغرض تحديد المقصود بمصطلح ( منصب رسمي ) وبينت أنه ( عمل ينتسب به الى الدولة ويجري على أصولها او عمل يكتسب صفه حكومية حسب الأصول المقررة ) ، ويقصد به كذلك ( عمل يكتسي صبغة حكومية حسب الأصول المقررة ) ، وأما المنصب لغوياً فإنه ( ما يتولاه المرء من عمل ) ، وعليه فإن المنصب الرسمي هو العمل الذي يتولاه الشخص ضمن الوظائف الحكومية ويخرج عن هذا الاطار أي عمل أو منصب في القطاع الخاص طالما لا يُعد عمل يتقاضى عنه أجر أو خارج اطار مؤسسات الدولة والقطاع العام.

رابعاً:نظّم قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018 المحظورات على عضو مجلس النواب بأحكام المادة (8) بالنص على ( أولاً: لا يجوز الجمع بين النيابة وأي عمل أو منصب رسمي آخر، ثانياً: على الدائرة التي كان النائب موظفاً فيها قبل نيابته، وبناءً على رغبته إعادته الى الوظيفة عند انتهاء النيابة اذا كانت الوظيفــــة تقع ضمن السلم الوظيفي من الدرجة الاولى فما دون ، وتحتَسَب خدمتُه النيابية خدمة فعلية لأغراض التعيين والعلاوة والترفيع والتقاعد، وعلى وزارة المالية توفير الدرجة والتخصيص المالي اللازمين لذلك) ، وتضمن احكام النظام الداخلي لمجلس النواب رقم (1) لسنة 2022 ، تفرغ عضو مجلس النواب بالنص على ( أولاً : لايجوز الجمع بين عضوية مجلس النواب وأي عمل أو منصب رسمي آخر.
ثانياً: لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس النواب وعضوية المجالس التشريعية في الأقاليم ومجالس المحافظات وعلى العضو أن يختار العضوية في إحدى الجهتين، وإن لم يخترْ يُعَدُّ عضواً في مجلس النواب فقط.
ثالثاً: لا يجوز للعضو أن يتعاقد مع دوائر الدولة بنفسه أو بوساطة غيره في أثناء مدة عضويته ولا يجوز إستغلال عضويته لمصلحته الخاصة ) ، ولذلك فإن التنظيم القانوني واضح بإلزام عضو مجلس النواب بأن يتفرغ لأعمال النيابة بصورة كاملة، وعدم التفرغ لأي عمل آخر يكون على حساب هذا التفرغ ، ولذلك فإن ممارسة أي عمل آخر يتنافى مع ذلك وفق احكام هذا القانون ، اذ ان الاصل ان يتفرغ لأعمال نيابته والمحددة بأحكام الدستور والقانون[9] .

خامساً: اسست المحكمة اصدار القرار على الاتي ( وحيث ان الاصل الدستوري الذي يجد سنده في المادة (22/اولاً) من الدستور هو حرية العمل إلا أن هذه الحرية تقيّدت بالمنع بخصوص الاعمال الرسمية اذا كان الشخص نائباً في مجلس النواب استناداً للنص – موضوع التفسير- فلا يجوز للنائب اثناء نيابته تولي أي عمل رسمي، ولا يشمل ذلك العمل في الاعمال الاخرى التي لا يكتسيها صفة الرسمية، ومنها العمل في المنظمات غير الحكومية أو النقابات أو غيرها إلا إذا قررت السلطة المختصة تقييد او تحديد العمل في اعمال غير رسمية اخرى بموجب قانون او بناءً عليه على ألّا يمس هذا التقييد او التحديد جوهر حق العمل استناداً لنص المادة(46)  من الدستور...) ، وعليه يمكن القول ان المحكمة اعتبرت ان مصطلح (الرسمي) ينطبق على المصطلحين (العمل) و (منصب) وهو ما يعد موافق للدستور والقانون وهو ماعهدناه منها بقراراتها طوال المدة الماضية  .

المصادر

  1. د.حميد حنون خالد، مبادئ القانون الدستوري، دار السنهوري، بيروت، 2015.
  2. د. سليمان محمد الطماوي، النظرية العامة للقرارات الإدارية، دار الفكر العربي، القاهرة، 2006 .
  3. د.سامي جمال الدين، القانون الدستوري والشرعية الدستورية على ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا، ط،2 منشاة المعارف، الإسكندرية، 2005،
  4. د.عدنان عاجل عبيد، القانون الدستوري، مؤسسة النبراس للطباعة والنشر والتوزيع،ط2،  النجف الاشرف،2013 .
  5. د.علي يوسف الشكري، د.عامر عبد زيد الوائلي، د.مصطفى فاضل الخفاجي، الحقوق والحريات في الدستور العراقي لسنة 2005 النافذ، مجلة مركز بابل للدراسات الانسانية ، المجلد 7، العدد1، 2017.
  6. سامية جابر محمد مهران ، المصلحة العامة وحدود سلطة الدولة، مجلة كلية الشريعة والقانون بطنطا، المجلد 34، العدد 1 ، 2019 ، عدد خاص بالمؤتمر الدولي الثالث، حماية المصلحة العامة في الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي، ج1.
  7. د.نادية فرحان زامل السوداني، العدالة الاجتماعية في حكم علاقات العمل، اطروحة دكتوراه مقدمة الى جامعة النهرين، كلة الحقوق، 2012.
  8. خليفه محمد خليفه مفرج الخليفه، محظورات العضوية في البرلمان، مجلة البحوق القانونية والاقتصادية، جامعة المنوفية، مصر ، المجلد 53، العدد3، 2021

[1]انظر د.علي يوسف الشكري، د.عامر عبد زيد الوائلي، د.مصطفى فاضل الخفاجي، الحقوق والحريات في الدستور العراقي لسنة 2005 النافذ، مجلة مركز بابل للدراسات الانسانية ، المجلد 7، العدد1، 2017، ص338.

[2]انظر د. سامي جمال الدين، القانون الدستوري والشرعية الدستورية على ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا، ط،2 منشاة المعارف، الإسكندرية، 2005، ص341.

[3]انظر د.نادية فرحان زامل السوداني، العدالة الاجتماعية في حكم علاقات العمل، اطروحة دكتوراه مقدمة الى جامعة النهرين، كلة الحقوق، 2012، ص54.

[4]انظر سامية جابر محمد مهران ، المصلحة العامة وحدود سلطة الدولة، مجلة كلية الشريعة والقانون بطنطا، المجلد 34، العدد 1 ، 2019 ، عدد خاص بالمؤتمر الدولي الثالث، حماية المصلحة العامة في الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي، ج1، ص437.

[5]انظر سامية جابر محمد مهران ، المصدر السابق، ص431.

[6] انظر د. سليمان محمد الطماوي، النظرية العامة للقرارات الإدارية، دار الفكر العربي، القاهرة، 2006، ص27.

[7]انظر د.عدنان عاجل عبيد، القانون الدستوري، مؤسسة النبراس للطباعة والنشر والتوزيع،ط2،  النجف الاشرف،2013، ص284.

[8]انظر د.علي يوسف الشكري، د.عامر عبد زيد الوائلي، د.مصطفى فاضل الخفاجي، مصدر سابق، ص332، خليفه محمد خليفه مفرج الخليفه، محظورات العضوية في البرلمان، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، جامعة المنوفية، مصر ، المجلد 53، العدد3، 2021، ص384.

[9]انظر د. حميد حنون خالد، مبادئ القانون الدستوري، دار السنهوري، بيروت، 2015، ص351 وما بعدها.

مواضيع ذات صلة