آخر الاخبار

shadow

تعليق على قرار التفسير الصادر من المحكمة الاتحاديّة العليا في العدد 322/ اتحادية/ 2023

الدكتور عباس هادي العقابي / جامعة بغداد

 

يبدو أنّ شمس الديمقراطيّة لم تغب عن العراق؛ فكلّما اختصم المتخاصمون احتكموا إلى المحكمة الاتحاديّة العليا، وهذا دليلٌ قاطع على العمليّة الديمقراطيّة وعلى قوة قرارات المحكمة التي يلتزم بها المتخاصمون، بالرغم من أنّ الخلافات بينهم هي دستوريّة وتقرير مصير بعض المناصب السياديّة..

نجد أنّ الدستور العراقي لسنة 2005 اكتفى بمعالجة مسألة انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه، في بداية الدورة الانتخابيّة بحسب ما نصّت عليه المادة (55) من دستور جمهوريّة العراق لسنة 2005، ويحتاج إلى تصويت الأغلبيّة المطلقة لعدد أعضاء المجلس: "ينتخب مجلس النواب، في أوّل جلسة له رئيساً ثم نائبًا أوّل ونائبّا ثانيّا بالأغلبيّة المطلقة لعدد أعضاء المجلس بالانتخاب السّري المباشر".

لم يعالج مسألة خلو منصب رئيس البرلمان في أثناء الدورة البرلمانيّة، وهذا الأمر متوقّع حدوثه في أي وقت، بسبب الوفاة أو المرض أو ارتكابه أحد الجرائم التي تمنعه من مزاولة هذا المنصب، وحدث في الدورة البرلمانيّة الخامسة إنهاء عضويّة رئيس البرلمان "محمد الحلبوسي"، ما  جعل المنصب خاليًا، ولكن يُدار برئاسة النائب الثاني. ولكي يُسدّ النقص التشريعي؛ عالجت المادة  (12/ ثانيًا)، من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي الرقم (1) لسنة 2022، والتي نصّت على: " إذا خلا منصب رئيس المجلس أو أي من نائبيه، لأي سبب كان، ينتخب المجلس بالأغلبيّة المطلقة خلفًا له في أوّل جلسة يعقدها لسدِّ ّاشاغر وفقًا لضوابط التوازنات السّياسيّة بين الكتل".

نجد أنّ نصّ المادة (12) ثانيًا لم يوضّح الآليّة الواجب اتباعها في انتخاب رئيس المجلس، ولهذا بادر النائب الأوّل لرئيس المجلس بتقديم استفسار عن بعض النقاط المهمّة التي قد تحدث في أثناء عملية التصويت، وبسبب عدم وجود نص ومنعًا للاجتهادات وجهة الاستفسار الآتي:

- في حال عدم حصول أي من المرشّحين لهذا المنصب على الأغلبيّة المطلقة لعدد أعضاء المجلس في الجولة الأولى؛ هل يمكن حصر التنافس بين المرشّحين الحاصلين على أعلى الأصوات؟

- في حال عدم حصول أي مرشّح على الأغلبيّة المطلقة، وإعادة فتح باب الترشيح مجددًا لمنصب رئيس المجلس؛ ما هي الآليّة المتبعة؟

- مدى جواز من تقدّم للترشيح لمنصب رئيس المجلس، ولم يفز بالأغلبيّة المطلوبة في الجلسة نفسها، ترشيح نفسه ثانية في جلسة أخرى أم يقتصر فتح باب الترشيح على مرشّحين جدد ؟

لقد جرت العادة، في الدورات الانتخابيّة السّابقة عند انتخاب رئيس المجلس ونائبيه، باعتماد الآليّة التي تتضمن أنّه: "إذا لم يحصل أي من المرشّحين على الأغلبيّة المطلوبة، يجري التنافس بين المرشّحين الحاصلين على  أعلى الأصوات". وعليه؛ طلب السيد نائب رئيس البرلمان الأليّات القانونيّة الواجب اتباعها من دون لبس أو غموض أو اجتهادات خاطئة.

اطلعت المحكمة الاتحاديّة العليا على التفسير؛ وقررت الآتي:

إنّ الدستور لم يعالج كيفيّة انتخاب رئيس المجلس أو نائبيه خلال مدة الدورة الانتخابيّة؛ بل إنّ الذي عالج ذلك هو المادة 12/ثانيا، من النظام الداخلي لمجلس النواب الرقم 1 لسنة 2022، وبدأت المحكمة الاتحاديّة العليا – كعادتها- تعالج الإشكاليّات الواردة في النصوص وتطابقها مع روح الدستور.

كما بيّنت، يدعو مجلس النواب أعضاءه للانعقاد بغية فتح باب الترشيح  لمنصب الرئيس، على أن يقتصر على تلك الجلسة المعلن عنها، أي إنّه يعلن مرّة واحدة، وفي جلسة محدّدة في جدول أعمالها فتح باب الترشيح والانتخاب لعدم إطالة أمد تلك المدة، والإسراع في انتخاب الرئيس، سواء في هذه الجلسة أم الجلسات التالية، وحصرًا ممن رشّحوا أنفسهم في الجلسة الأولى. وهذه إشارة إلى أنّه في حال لم يُنتخب الرئيس في الجلسة الأولى تبقى أسماء المرشّحين قائمة إلى الجلسات التالية، وبيّنت المحكمة أنّه لا يجوز قبول أي ترشيح جديد بعد البدء بإجراءات التصويت.

كما أشارت إلى أمر مهمّ؛ وهو ضرورة استمرار المجلس بممارسة مهامه برئاسة أحد نائبي الرئيس، ولا يمكن للمجلس أن يعطّل عمله معتكزًا بتسويغاته على عدم تحقق الأغلبيّة المطلقة لانتخاب الرئيس.

نجد أنّ المحكمة قضت في ذلك؛ وحدّدت ملامح انتخاب رئيس البرلمان أو نائبيه في حال خلو المنصب، بعد أن عالج النظام الداخلي فقط إمكان انتخاب بديل. وخلصت المحكمة إلى أنّه لا يجوز أن تمارس اختصاصات لم ترد في نصّ. كما جرت العادة، في السّابق، أنّه في حال عدم حصول المرشّحين على منصب  رئيس البرلمان على الأغلبيّة المطلقة يُصار إلى المنافسة بين أعلى المرشحين. وهذه الآليّة يمكن استخدامها في انتخاب رئيس الجمهوريّة، كونها وردت في المادة (70/ ثانيًا)، إذا لم يحصل أي من المرشّحين على الأغلبيّة المطلوبة يجري التنافس بين المرشّحين الحاصلين على أعلى الأصوات ....

 

مواضيع ذات صلة