آخر الاخبار

shadow

مفهوم المصلحة العليا للدولة في قرارات المحكمة الاتحادية العليا تعليق على قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم( 24/اتحادية/2022) الصادر بتاريخ 13 /2 /2022

المستشار القانوني الدكتور عباس مجيد الشمري

 

اصدرت المحكمة الاتحادية العليا القرار رقم ( 24/اتحادية/2022) الصادر بتاريخ  13 /2 /2022 ، بمناسبة طلب استفسار مقدم من السيد رئيس الجمهورية (السابق) المتضمن النص على ( تفسير المادة (72/ثانياً) من الدستور، حيث لم يعالج النص حالة عدم تمكن المجلس من انجاز المتطلب الدستوري الوارد في الفقرة (ثانياً) اعلاه والتعامل مع الحالة فيما يتعلق بممارسة رئيس الجمهورية لمهامه تجنباً لحدوث فراغ دستوري ، ولحين استكمال المادة (70) من الدستور)، وقد بينت المحكمة الاتحادية العليا رأيها بشأن الاستفسار بالنص ( وبذلك فان المُشـرِّع الدستوري اوجب حلول رئيس مجلس النواب محل رئيس الجمهورية في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية وعدم وجود نائب له، ان خلو منصب رئيس الجمهورية يختلف عن انتهاء ولاية رئيس الجمهورية وان الخلو يتحقق اثناء فترة ولاية رئيس الجمهورية لأي سبب كان، وبناءً على ماتقدم تجد المحكمة الاتحادية العليا ان رئيس الجمهورية يستمر بممارسة مهماته لحين انتخاب رئيساً جديداً لجمهورية العراق رغم انتهاء دورة مجلس النواب) ولغرض الوقوف على حيثيات القرار وتوجهات المحكمة الاتحادية العليا في هذا القرار نود بيان الاتي:

أولاً: إن الحلول في القانون الاداري يتضمن مباشرة أحد أعضاء السلطة الإدارية لاختصاصات أحد الاعضاء الآخرين بالادارة  وقيامه بواجباته لغياب صاحب الاختصاص الاصيل أو لأي سببٍ كان ، على ان يتضمن النص الدستوري أو نص القانون ذلك ، إذ أن القانون يُنظّم الحلول وفق نصوصه بتحديد الموظف وقد نظم دستور العراق لسنة 2005 حلول نائب رئيس الجمهورية لممارسة مهام رئيس الجمهورية في حالتين وهما غيابه وحالة الخلو ، اذ نصت أحكام المادة (74/ثانياً) من أحكام الدستور  بالنص على أن ( يَحل نائب رئيس الجمهورية مَحَل الرئيس عِند غيابهِ ) ، ومن هنا فانه نظّم حالة الغياب ، ثم نظّم حالة الخلو بأحكام المادة(74/ثالثاً) بالنص (يحل نائب رئيس الجمهورية محل رئيس الجمهورية عند خلو منصبه لأي سببٍ كان وعلى مجلس النواب انتخاب رئيس جديد خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ الخلو  ) ، ومن هنا فإن النص الدستوري نظّم حالتي الغياب و الخلو بالحلول لنائب رئيس الجهورية ([1] ، اما حالة الخلو في حال عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية فإنه نظّمها باحكام المادة(74/ رابعاً) من الدستور بالنص على أن ( في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية يحل رئيس مجلس النواب محل رئيس الجمهورية في حالة عدم وجود نائب له على ان يتم انتخاب رئيس جديد خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما من تاريخ الخلو، وفقاً لأحكام هذا الدستور ) ، ولكن ذلك يكون في حال استمرار ولاية رئيس الجمهورية ، اما الأستفسار فانه يتضمن حالة لم ينظّمها الدستور ، وهي حالة انتهاء مدة ولاية مجلس النواب وعدم تمكنه من انتخاب رئيس الجمهورية ضمن المدة الدستورية المحددة بأحكام المادة(70/ اولاً) التي نصت على أن ( ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية بأغلبية ثلثي عدد اعضائه ) ، اما حالة انتهاء مدة ولاية رئيس الجمهورية فإن الدستور نظّمها بأحكام المادة (72/ثانياً/ب) التي تنص على أن ( يستمر رئيس الجمهورية بممارسة مهماته إلى مابعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد واجتماعه، على ان يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ اول انعقاد له ) ، هذا مايتعلق بالتنظيم الدستوري لحالات الخلو والغياب وانتهاء مدة ولاية مجلس النواب وعدم وجود نائب لرئيس الجمهورية ، أما قانون نواب رئيس الجمهورية رقم (1) لسنة( 2011) فإنه نُظِّم باحكام المادة ( 5/ ثانياً ، ثالثاً) منه الحلول وكذلك ماجاء بأحكام المادة ( 5/ رابعاً ) من أحكام النظام الداخلي رقم (١) لسنة( ٢٠١٤)النظام الداخلي لتسهيل تنفيذ أحكام قانون نواب رئيس الجمهورية رقم (١) لسنة ٢٠١١، بشان الحلول ، عليه فإن هذه الحالة المطلوب الاستفسار فيها لم ينظّمها الدستور العراقي أو القانون أو النظام الداخلي بنص صريح  ، بخلاف حالة الخلو المؤقت أو الخلو الدائم أو انتهاء مدة ولاية مجلس النواب وعدم وجود نائب لرئيس الجمهورية بحسب أحكام الدستور ([2]).

ثانياً: نظمت بعض الدساتير الحلول عند حالات الخلو أو الغياب أو الجهة التي تتولى تحديد ذلك فقد نظمت أحكام دستور لبنان لسنة (1926) حالة خلو المنصب لأي سببٍ بالنص على أن ( في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء.) ([3])أما دستور الاردن فقد نظّم حالة غياب الملك بالنص على (اذا اصبح الملك غير قادر على تولي سلطته بسبب مرض فيمارس صلاحياته نائب أو هيئة نيابة ويعين النائب أو هيئة النيابة بإرادة ملكية وعندما يكون الملك غير قادر على اجراء هذا التعيين يقوم به مجلس الوزراء ) ([4])  أما بشأن الانظمة الرئاسية فقد نظمت الحلول  وفق النصوص الدستورية كما في دستور الولايات المتحدة الامريكية لسنة (1789) الذي ينص بأحكام الفقرة (اولاً) من المادة (2) التي تنص على (في حال عزل الرئيس من منصبه، أو وفاته، أو استقالته، أو عجزه عن القيام بسلطات ومهام المنصب المذكور، يؤول المنصب إلى نائب الرئيس، ويمكن للكونغرس أن يحدد بقانون أحكام حالات عزل أو وفاة أو استقالة أو عجز الرئيس ونائب الرئيس كليهما، معلناً من هو المسؤول الذي يتولى عند ذلك مهام الرئاسة. ويبقى مثل ذلك المسؤول قائماً بمهام الرئاسة إلى أن تزول حالة العجز أو يتم انتخاب رئيس) ، وتضمن التشريع الدستوري الفرنسي تنظيم حالة الخلو ([5])، اذ نص الدستور الفرنسي لسنة( 1958 ) على ذلك بأحكام المادة (7) منه بالنص على أن ( في حال شغور منصب رئاسة الجمهورية لأي سبب كان أو في حال قام المجلس الدستوري، بناءً على إحالة من الحكومة، بالحكم بأغلبية مطلقة لأعضائه بأن رئيس الجمهورية غير مؤهل، فإن مهام رئيس الجمهورية، باستثناء تلك المنصوص عليها في المادتين (11و12)، سيمارسها رئيس مجلس الشيوخ مؤقتاً، وإذا ما كان هذا الأخير بدوره أيضا غير مؤهل، ستتولى الحكومة ممارسة هذه المهام.في حال شغور المنصب أو في حال أعلن المجلس الدستوري بأن عدم أهلية الرئيس هي مسألة دائمة، يجري الاقتراع لانتخاب رئيس جديد -ما عدا في حالة القوة القاهرة التي يثبتها المجلس الدستوري - وذلك في مدة لا تقل عن عشرين يوماً ولا تزيد على خمسة وثلاثين يوماً من بداية الشغور أو إعلان عدم أهلية الرئيس)، أما في مصر فإن دستور مصر لسنة (2014) المعدل لسنة (2019) تضمن الآلية الدستورية بشأن الخلو بالنص بأحكام المادة (165) منه على( إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لسلطاته، حل محله رئيس مجلس الوزراء. وعند خلو منصب رئيس الجمهورية للاستقالة، أو الوفاة، أو العجز الدائم عن العمل، يعلن مجلس النواب خلو المنصب. ويكون اعلان خلو المنصب بأغلبية ثلثي الأعضاء على الاقل، إذا كان ذلك لأي سبب آخر. ويخطر مجلس النواب الهيئة الوطنية للانتخابات، ويباشر رئيس مجلس النواب مؤقتاً سلطات رئيس الجمهورية. وإذا كان مجلس النواب غير قائم، تحل الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا ورئيسها، محل المجلس ورئيسه، فيما تقدم. وفى جميع الأحوال، يجب أن يُنتخب الرئيس الجديد فى مدة لا تجاوز تسعين يوماً من تاريخ خلو المنصب، وتبدأ مدة الرئاسة فى هذه الحالة من تاريخ إعلان نتيجة الانتخاب. ولا يجوز لرئيس الجمهورية المؤقت أن يترشح لهذا المنصب، ولا أن يطلب تعديل الدستور، ولا أن يحل مجلس النواب، ولا أن يقيل الحكومة ) ، وبذلك فإنه حدد حالات الخلو بصورة واضحة بخلاف بعض الدساتير الاخرى علماً ان الدستور المصري (الملغى) لسنة 1971  لم يتضمن النص على حالات الخلو بصورة صريحة باحكامه ([6])  .

ثالثاً: لقد بينت المحكمة الاتحادية العليا في حيثيات القرار وفي اطار تسبيبها لأصدار القرار بالنص على  ( ان التناسب بين ما تقتضيه الضرورة والمصلحة العامة وحفاظاً على المبادئ الدستورية والمتمثلة بممارسة السلطات الاتحادية واختصاصاتها ومهماتها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات فإن ذلك موجب لأستمرار رئيس الجمهورية بممارسة مهامه لحين انتخاب رئيساً جديداً) ، وهنا فإن المحكمة بينت أهمية المصلحة العامة لإصدار هذا القرار وحددت مبدأ دستوري مهم جداً هو التناسب بين المصلحة العامة والحفاظ على المبادئ الدستورية ، بعد ان بينت ان الدستور لم يبين الاجراء الدستوري الواجب اتخاذه ، اذ ان الدستور لسنة 2005 وبسبب الظروف السياسية التي رافقت مرحلة كتابته لم يتضمن وضع المعالجة لبعض الاوضاع القانونية والتي تتطلب معالجتها في صلب الدستور كما في موضوع البحث ([7]) .

رابعاً: يُعَد مفهوم المصلحة العليا للدولة من المفاهيم المهمة في الانظمة السياسية ، والتي تحرص على التأكيد عليها لأهميتها في الحفاظ على الدولة وكيانها وسيادتها ، ولذلك فأن المصلحة العامة هي ما يبغي من تحقيقه المُشرِّع من منفعة لذلك تسمى المنفعة العامة ([8]) ،  وتتفق مع أهم أسس عمل الادارة وهي موافقة أعمالها للمشروعية، ومن ثم فان المصلحة العامة تكون من خلال التقيّد بأحكام القانون وهو ماتسعى لتحقيقه الانظمة القانونية بصورة عامة  ([9])، والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة أو كما يقال ( جلب المنفعة او درء المفسدة )، والمهم ان المصلحة أو المنفعة هي ما يتقرر أهميتها لجميع الناس بدون تمييز ، ومن ثم فإن تحقيق منفعة لقسم أو شريحة أو طائفة من الناس ليست مهمة ، وضمن هذا الاطار فقد بينت الشريعة الاسلامية بأنه يمكن للحاكم  ان يُقيّد المصلحة الخاصة بناءً على مصلحة عامة ، ولكن يجب التقيد بأن يكون ذلك بدون التعدي على المصلحة الخاصة ، أي بمعنى أن الحاكم يجب ان يكون متمكناً من تقدير متى يقوم بتقييد المصلحة الخاصة بسبب مصلحة عامة معتبرة ومهمة  ([10]، كل ذلك بما يضمن حماية الحقوق والحريات العامة بما لا يتعارض مع المصلحة العامة التي يجب حمايتها واحترامها، عليه فإن النظام العام يمكن ان يؤدي الى تقييد هذه الحقوق والحريات العامة بما يصل الى تحقيق المصلحة العليا للمجتمع إذ ان من اهم واجبات الادارة الحفاظ على النظام العام ([11].

خامساً:سبق ان بيّن مجلس الدولة الفرنسي بقرار صدر له في 28 / 5 /1971 في قضية ( مدينة الشرق الجديد ) ، بإنه إذا تعارضت المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة ، فإنه يجب الترجيح بينهما على أساس ما يحققه ذلك من منفعة عامة اجتماعية تفوق ما يتحقق من منافع خاصة للناس ، والمهم ان الفكرة التي يأخذ بها مجلس الدولة هي مراعاة الظروف المحيطة بكل قضية ومن ثم مراعاتها ، فإذا اخذنا أهمية تحقق المصلحة العامة في وقت معين قد لا نجدها في وقت آخر، ولذلك فإن المفهوم يتغير بحسب الظروف القانونية والادارية والاجتماعية ، وهي بهذا المعنى تقترب من فكرة النظام العام فبعض الفقهاء الفرنسيين يَرون ان فكرة النظام العام هي حالة مادية تخالف الفوضى  كما يرى الفقيه (Hauriou) بينما يرى الفقيه (Waline) بالعكس من ذلك أنها فكرة غير واضحة وغير ملموسة ويؤيد ذلك الفقيه الفرنسي (  George Vedel) ([12])، ولذلك فإن المصلحة في القانون قد تعتبر مصلحة عامة يجب احترامها وفي وقت اخر بسبب تغير في الظروف قد لا يجري احترامها  ، عليه فإن التغيير في الظروف الاجتماعية والسياسية قد يكون سبباً في تعديل الدساتير بحسب هذه الظروف فإذا عدنا الى ذلك نجد أن الدول الاوربية وبعد الثورة الفرنسية وماتلاها من تغييرات كبيرة في الحياة السياسية عمدت الى اصدار دساتير ضمن هذا التوجه كما في دستور (ويمار) الصادر سنة 1919 الذي أخذ بالأفكار التحررية في حينه ، ومن ثم سارت عليه لاحقاً اغلب الدساتير الاوربية ([13].

سادساً:نظّم الدستور العراقي النافذ تقييد بعض الحقوق والحريات العامة اذا ماتعارضت مع النظام العام إذ نصت احكام الدستور على ( تكفل الدولة وبما لايخل بالنظام العام والآداباولاً. حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل،  ثانياً. حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر ، ثالثاً.حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون)([14])، ونصت احكام الدستور كذلك على أن ( لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناءً عليه، على ألا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية )([15])، عليه فإن التنظيم القانوني للتشريع العراقي تضمن وجود  تشريعات عدة  تعنى بمراعاة احترام النظام العام ، وان تقييد الحقوق يجب ان يكون بقانون على ان لا يتعارض مع أصل الحقوق الواردة بالدستور، ولذلك فإن المحكمة أكدت على هذا المضمون بالقرار بالنص على ( وفي حالة عدم انتخاب رئيساً جديداً لظرف ما أو لحالة طارئة فإن الضرورة تستوجب الموازنة بين وجود رئيس الجمهورية تحتمها المصلحة العليا في البلاد وبين انتهاء ولايته بأربع سنوات وعدم امكانية تجاوزها، حيث إن عدم حضور اعضاء مجلس النواب في الموعد المحدد لإنتخاب رئيس الجمهورية وعدم تحقق النصاب أدى الى عدم انتخاب رئيساً جديداً للجمهورية خلال ثلاثين يوماً من تأريخ أول انعقاد لمجلس النواب يستلزم استمرار رئيس الجمهورية بممارسة مهماته لحين انتخاب رئيساً جديداً للجمهورية يحل محله، حيث إن التناسب بين ما تقتضيه الضرورة والمصلحة العامة وحفاظاً على المبادئ الدستورية والمتمثلة بممارسة السلطات الاتحادية اختصاصاتها ومهماتها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات فإن ذلك موجب لأستمرار رئيس الجمهورية بممارسة مهماته لحين انتخاب رئيساً جديداً ).

سابعاً:ان النظام العام يحمي المصلحة العامة من خلال التشريعات الدستورية والقوانين بصورة عامة، ومن ثم يمثل النظام العام الاهداف التي يسعى لتحقيقها الفرد والمجتمع في آن واحد بما يؤدي الى التقيّد باحترام التشريعات التي تنظم المجال السياسي والاقتصادي في الدولة ([16])  ، والنظام العام والمصلحة العامة تكاد تقترب من بعضهما البعض بوصفهما يتغيران بحسب الواقع الاجتماعي أو السياسي أو القانوني رغم الفارق بينهما ، ونشير الى أن توجه القضاء الاداري في فرنسا مع القضاء المدني الفرنسي هو الأخذ بمفهوم النظام العام  بمفهومة الواسع وليس الضيق ([17]، لذلك فإن الوقوف على مفهوم النظام العام يصعب لدى الكثير من الكتاب ، اذ ان البعض في محاولة منه لوضع تعريف جامع ومحاولة لغرض الابتعاد عن الاختلاف بشأنه لا سيما مع صعوبة الاتفاق على وضع تعريف يتفق عليه أغلب الكتاب عرفه بأنه ( حسن سير المؤسسات الضرورية للمجتمع ، أو اللازمة للمجتمع ) ([18])عليه فإن المصلحة العامة يجب ان تحترم كما تحترم المصلحة الخاصة ، ويرى البعض ان التوازن ضروري في تفضيل أيهما كونها أحق بالأحترام ، لأن المهم قيام الدولة برعاية و تحقيق المصلحة العامة اذا تعارضت مع مصلحة خاصة كما في قيام الادارة بإنشاء مرفق عام أو عندما تصدر قرار معين أو توقف تنفيذ قرار معين ما يعود بالمنفعة العامة للمجتمع أكثر مما يعود لفئة معينة في المجتمع ([19])، ومن خلال هذا القرار التفسيري أكدت المحكمة الاتحادية العليا كما في قراراتها التفسيرية الاخرى أهمية وجود القضاء الدستوري كونه من أهم مصادر التفسير إذ أنها في النهاية تسعى الى الحفاظ على  المصلحة العامة من خلال الاختصاصات المحددة لها ([20]).ومن خلال المصلحة العامة فإن الدولة تقوم باتخاذ اجراءات بحق مواطنيها ، أو قد تقرر دخول الحرب أحياناً لتحقيق المصلحة العليا للدولة وقد يقوم القضاء باستخدام المصلحة العامة لإصدار قراراته التي يتعلق مضمونها بحماية النظام العام كهدف تسعى السلطات كافة سواء التشريعية أو التنفيذية أو القضائية للوصول اليه ([21])، وقد بينت المحكمة أهمية المصلحة العليا في الدولة وضرورة الحفاظ عليها كونها أولى وأجدر بالحماية من المصالح الاخرى سواء كانت المصالح الحزبية والقومية كما في قرارها المرقم بالعدد(213/اتحادية/امر ولائي/2023) وبينت المحكمة كذلك هذا المضمون بقرار سابق لها بالنص على (ولذا فإن الضوابط التي يتم وضعها لممارسة الحقوق والحريات ومنها حرية التعبير والتظاهر السلمي يجب ان تكون في حدود الدستور واحكامه وعن طريق المشرع حصراً ، بما يضمن كفالة استعمالها واستخدامها بسلمية دون المساس بالنظام العام والاداب ووفقاً للحدود الزمانية والمكانية والعددية والعقابية التي تتناسب معها تحقيقاً للتوازن والانسجام وبين المصلحة العامة...) القرار المرقم بالعدد (23/اتحادية/2020) ، وعليه فإن المحكمة الاتحادية العليا بموجب قرارها (24/اتحادية/2022)  أكدت المصلحة العليا بشأن استمرار رئيس الجمهورية بمهامه لا سيما ان ذلك لا يتعارض مع اصل الحقوق الواردة بأحكام الدستور لا سيما ان ذلك تاكيداً للمبادىء الواردة بأحكام الدستور في الفصل الاول من الباب الثاني.

المصادر

  1. حسن علي عبد الحسين البديري، دور المحكمة الاتحادية العليا العراقية في سد الفراغ الدستوري، ط1، العلمين للنشر، شركة العارف للأعمال، بيروت، لبنان، 2021
  2. رافع خضر صالح شبر، ازدواجية السلطة في الدولة الاتحادية، ط1، منشورات زين الحقوقية، بيروت، لبنان، 2018
  3. سامي جمال الدين، القانون الدستوري والشرعية الدستورية على ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا، ط،2 منشاة المعارف، الإسكندرية، 2005
  4. صلاح محمد يسن سليمان، القواعد الدستورية بين مقتضيات الثبات وضرورات التعديل ، ط1،دار مصر للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، 2019
  5. عدنان عاجل عبيد، القانون الدستوري، ط2، مؤسسة النبراس للطباعة والنشر والتوزيع، النجف الاشرف، 2013
  6. انور ابوبكر كريم (كلية القانون ، جامعة السليمانية) ، المصلحة العامة مفهومها وخصائصها في الشريعة الاسلامية، المؤتمر الدولي الثالث لكلية الشريعة والقانون بطنطا( حماية المصلحة العامة بين الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي)، 2019
  7. بليغ حمدي محمود الخياط، النظام القانوني للتبني واثره في مواجهة النظام العام،  مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية ،كلية الحقوق، جامعة مدينة السادات، المجلد 4، العدد2، 2018
  8. رحيم حسين موسى، اختيار رئيس الجمهورية عند خلو منصبه في ظل دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، مجلة ابحاث ميسان، المجلد 16، العدد32، 2020
  9.  محمد محمد عبده امام  ، فكرة المصلحة العامة وتعلقها بالنظام العام في القانون الاداري، المؤتمر الدولي الثالث لكلية الشريعة والقانون بطنطا( حماية المصلحة العامة بين الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي)، 2019
  10. مهند قاسم زغير، السلطة التقديرية في مجال الضبط الاداري في الظروف العادية في القانون الوضعي والشريعة الاسلامية، اطروحة دكتواره مقدة الى كلية الحقوق ، جامعة النهرين، 2014
  11. عبدالله نجم العلي، الاساس الدستوري لوظيفة حفظ النظام العام، المجلة القانونية، جامعة القاهرة، المجلد 16، العدد4، 2023
  12. مصون منير شقير، مخالفة النظام العام كأحد اسباب بطلان حكم التحكيم في القانون الاردني، المجلة القانونية، جامعة القاهرة، المجلد ، العدد ، 2023


([1])انظر د.رحيم حسين موسى، اختيار رئيس الجمهورية عند خلو منصبه في ظل دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، مجلة ابحاث ميسان، المجلد 16، العدد32، 2020، ص6.

([2])انظر د.رحيم حسين موسى، مصدر سابق، ص7.

([3])انظر المادة (62) من دستور لبنان الصادر لسنة 1926.

([4])انظر احكام المادة (28/ح) من دستور الاردن الصادر لسنة 1952.

([5])انظر د.رحيم حسين موسى، المصدر السابق، ص12.

([6])انظر د.سامي جمال الدين، القانون الدستوري والشرعية الدستورية على ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا، ط،2 منشاة المعارف، الإسكندرية، 2005، ص300.

([7]) انظر د.حسن علي عبد الحسين البديري، دور المحكمة الاتحادية العليا العراقية في سد الفراغ الدستوري، ط1، العلمين للنشر، شركة العارف للأعمال، بيروت، لبنان، 2021، ص44.

([8])انظر د.انور ابوبكر كريم (كلية القانون ، جامعة السليمانية) ، المصلحة العامة مفهومها وخصائصها في الشريعة الاسلامية، المؤتمر الدولي الثالث لكلية الشريعة والقانون بطنطا( حماية المصلحة العامة بين الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي)، 2019، ص19، ويقول توماس الاكويني (القانون هومجرد نتاج عقلي للمصلحة العامة يصدره الشخص الذي يهتم للمنفعة الاجتماعية).

([9])خالد محمد عبد الله المرزوقي، صور الامتناع عن تنفيذ الاحكام القضائية ومبررات امتناعها ، المجلة القانونية ، جامعة القاهرة، المجلد 16، العدد4 ،  2023 ، ص1087,

([10])انظر مهند قاسم زغير، السلطة التقديرية في مجال الضبط الاداري في الظروف العادية في القانون الوضعي والشريعة الاسلامية، اطروحة دكتوراه مقدة الى كلية الحقوق ، جامعة النهرين، 2014، ص90.

([11])انظر د.عدنان عاجل عبيد، القانون الدستوري، ط2، مؤسسة النبراس للطباعة والنشر والتوزيع، النجف الاشرف، 2013، ص280، و عبدالله نجم العلي، الاساس الدستوري لوظيفة حفظ النظام العام، المجلة القانونية، جامعة القاهرة، المجلد 16، العدد4، 2023، ص985، خالد محمد عبد الله المرزوقي، صور الامتناع عن تنفيذ الاحكام القضائية ومبررات امتناعها ، المجلة القانونية ، جامعة القاهرة، المجلد 16، العدد4 ،  2023 ، ص1088.

([12])انظر مهند قاسم زغير، المصدر السابق، ص63، و عبدالله نجم العلي، الاساس الدستوري لوظيفة حفظ النظام العام، مصدر سابق، ص981.

([13])انظر د.صلاح محمد يسن سليمان، القواعد الدستورية بين مقتضيات الثبات وضرورات التعديل ، ط1،دار مصر للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، 2019، ص156.

([14])انظر  احكام المادة (38) من دستور العراق لسنة 2005.

([15])انظر  احكام المادة (46) من دستور العراق لسنة 2005.

([16])انظر ئامانج عارف كريم سعيد ، الحماية القانونية للمصلحة العامة في التشريع العراقي ، المؤتمر الدولي الثالث لكلية الشريعة والقانون بطنطا( حماية المصلحة العامة بين الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي)، 2019، ص123، مصون منير شقير، مخالفة النظام العام كأحد اسباب بطلان حكم التحكيم في القانون الاردني، المجلة القانونية، جامعة القاهرة، المجلد ، العدد ، 2023 ، ص3866.

([17])انظر مهند قاسم زغير، مصدر سابق، ص65.

([18])اشار اليه د.بليغ حمدي محمود الخياط، النظام القانوني للتبني واثره في مواجهة النظام العام،  مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية ،كلية الحقوق، جامعة مدينة السادات، المجلد 4، العدد2،  ص73.

([19])انظر ئامانج عارف كريم سعيد ، مصدر سابق، ص122.

([20])انظر د.سامي جمال الدين، مصدر سابق، ص172، وللمزيد عن اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا يراجع د.رافع خضر صالح شبر، ازدواجية السلطة في الدولة الاتحادية، ط1، منشورات زين الحقوقية، بيروت، لبنان، 2018، ص246.

([21])انظر د.محمد محمد عبده امام  ، فكرة المصلحة العامة وتعلقها بالنظام العام في القانون الاداري، المؤتمر الدولي الثالث لكلية الشريعة والقانون بطنطا( حماية المصلحة العامة بين الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي)، 2019، ص290، د.بليغ حمدي محمود الخياط، مصدر سابق، ص77.

 

مواضيع ذات صلة