آخر الاخبار

shadow

تعليق على قرار المحكمة الاتّحاديّة بالعدد 9 /اتحادية /2023

الدكتور عباس هادي العقابي / جامعة بغداد

في الفقرة أولًا: من القرار بدأت المحكمة تُعـِّرف بأهميّة وعظمة وقداسة عضو السلطة التشريعية وما لها من صلاحيّات تقوم بها نيابة عن الشّعب بمختلف تسمياتها، فهي قادرة على أن تجعل البلد متقدمًا أو متأخرًا. وتابعت المحكمة تعريفها بممثلة الشّعب (السّلطة التشريعيّة)، في المجال الدّولي من خلال التطرق إلى الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسّياسيّة.

كما وتطرق القرار إلى ديباجة الدّستور العراقي مذكرةً بالدماء العراقيّة التي ضحّت من أجل الحريّة والديمقراطيّة، مذكرةً بالمأساة التي عاشها العراق، بعد العام 2003. وهذه إشارة من المحكمة أن الشّعب العراقي يستحقّ أن يمثله برلمان ينطبق عليه جميع صفات عضو البرلمان والاعتدال والنزاهة والقيام بالواجبات الدستوريّة، وتغليب المصلحة العامّة على المصلحة الخاصّة.

وختمت المحكمة القرار بمبدأ عظيم جدًا:" فإنّ قيام رئيس أي حزب بإجبار المرشحين التابعين له بتقديم طلبات استقالة والاحتفاظ بها واستخدامها متى يشاء، يخالف كلّ تلك المبادئ والقيم الدستوريّة، ويخالف أحكام المواد ( 5 و6 و14 و16 و17 و20 و39 ) ، من دستور جمهوريّة العراق. إذ كفل الدستور، بموجب المادة 39/ أولّا منه، حريّة تأسيس الجمعيّات والأحزاب السّياسيّة أو الانضمام إليها، كما جاء في البند ثانيًا، من المادة ذاتها، والتي نصت على :" لا يجوز إجبار أحد على الانضمام إلى أي حزب أو جمعيّة أو جهة سياسيّة أو اجباره على الاستمرار في العضويّة فيها".

نلاحظ أنّ المحكمة بيّنت أنّه بمجرد إجبار رئيس الحزب للمرشّح على تقديم ورقة استقالة يخالف سبع مواد من دستور جمهوريّة العراق. وبعد تسليط الضوء على المواد السّبعة أعلاه نجدها تتحدث عن الحقوق والديمقراطيّة والانتقال السّلمي للسلطة وحريّة المشاركة والتمتّع بالحقوق السّياسيّة إلخ..... وإنّ هذا المبدأ - بتقديري الشّخصي- سيظلّ ملازمًا للعمليّة السّياسيّة على مدى الحياة السّياسيّة؛ بل من الممكن أن يكون مصدرًا لدستور أو قانون في العراق أو خارجه.

في الفقرة ثانيًا من القرار؛ استهلّت المحكمة الاتّحاديّة العليا بعبارة وثبت للمحكمة الاتّحاديّة العليا على صحّة المخالفات، وهذا دليل قاطع. وتابعت المحكمة أنّ وكيل المدّعى عليه "أقرّ" أنّ رئيس مجلس النواب وافق على طلب الاستقالة المقدّم بخطّ اليد من المدّعي، بتاريخ 7 /5 /2022، ولكن بسبب تدخّل النواب تأخرت الاستقالة في مكتب رئيس المجلس، والذي قام بشطب تاريخ الموافقة الأولى على الاستقالة 7 /5 /2022 وترويجها في  15 /1 /2023. وهذا الإجراء غير صحيح، فقد أقرّ المدّعى عليه رئيس مجلس النواب إضافة لوظيفته بموجب الكتب الرسميّة أنه لم يترتّب على قبول الاستقالة؛ أي إجراء واستمرّ المدّعي بحضور جلسات البرلمان والمشاركة في فعالياته كافّة مع عدم إلغاء الاستقالة المؤرخة في 7 /5 /2022. وكان ردّ المحكمة في القرار: "إذ كان على المدّعى عليه إمّا عدم قبول الاستقالة أو قبولها في وقت تقديمها وترتيب أثارها بحال قبوله"؛ وهو عين الصواب.

أمّا قبول الاستقالة وعدم نفاذها، وجعل ذلك خاضع للاتفاقات الحاصلة بين المدّعي والمدّعى عليه، لأسباب مختلفة؛ فإنّ ذلك يخالف المادة (49/ أولاً ) من الدستور.

سبق للمحكمة أن أكدت في قرارها، بالعدد 132 وموحدتها.../ اتحاديّة /2022 : " إنّ أعضاء مجلس النواب بعد انتخابهم لا يمثلون أنفسهم ولا كتلهم السّياسيّة؛ وإنّما يمثلون الشّعب العراقي". وأكدت في هذا القرار أيضًا: "إذ إنّ الغاية من تمثيل النائب للشعب العراقي هو لغرض تحقيق مصالح ذلك الشّعب، وليس تحقيق مصالح النائب، وباعتبار أنّ مجلس النواب يمثل سلطة الشّعب التشريعيّة؛ فإنّ ما يصدر عن المدّعي أو المدّعى عليه بحدود نيابتهم عن الشّعب ووفقًا لعضويتهم في مجلس النواب لا ينصرف إليهم بصفتهم الشخصيّة؛ بل ينصرف إليهم بصفتهم ممثلين عن الشّعب ومكلفين بخدمة عامّة".

وأوضحت المحكمة بقرارها الحالات التي يمكن أن يتحقق بها انتهاك الدستور ؟

:" في حال إتيان أي فعل من الأفعال التي تشكّل مخالفة صريحة أو ضمنيّة، لأي نصّ من نصوص الدّستور، والعمل على خلاف ما ورد فيه عن طريق استعمال الصلاحيّات الممنوحة له بموجب تلك النصوص استعمالاً يؤدي إلى تلك المخالفة، وإنّ مخالفة الدستور تنتج كذلك عن أي خرق غير مشروع للقانون وفقًا لما جاء في المادة (50) من الدستور".. وهو القسم بالله تعالى .. أداء المهمّات والمسؤوليّات بأمانة..

نجد ان المحكمة الاتحادية العليا تبنّت هذا المبدأ في متن القرار, في حال استخدمت الصلاحيات الممنوحة لعضو البرلمان بموجب الدستور واتيانهم بأي فعل يتعارض مع الدستور, يشكل مخالفة صريحة أو ضمنية للمادة (50) من الدستور وهو القسم بالله تعالى على اداء المهمات والمسؤوليات القانونية بتفانٍ واخلاص.

وأشارت المحكمة الاتّحاديّة العليا إلى أنّه لا يمكن الركون إلى المادة 52، من الدستور المختصّة بصحّة عضويّة أعضاء البرلمان والطعن بقرار المجلس أمام المحكمة الاتّحاديّة. وهذه إشارة إلى أنّ عضو البرلمان متى ما ارتكب مخالفة دستوريّة وقانونيّة يكون جزاءه إنهاء العضويّة عندما تعرّض الدعوى على المحكمة، وهو مبدأ يحسب للمحكمة الاتّحاديّة العليا،.

لأنّ مهمّة المحكمة الاتّحاديّة الحفاظ على علويّة الدستور من أي مخالفة، ومن أي جهة تصدر بغضّ النظر عن المنصب. إذ لا يمكن تصوّر أنّ الدستور ينتهك، ويكون الاحتجاج عدم اختصاص المحكمة النظر بتلك المخالفة، وإلّا ما هي الحكمة من القاعدة القانونيّة التي تلزم قضاة المحكمة الاتّحاديّة أداء اليمين بتطبيق الدستور وصيانته وحماية الحريّات العامّة والخاصّة ؟..

في الفقرة سادساً: في القرار ميّزت المحكمة ما بين البت في صحّة عضويّة النائب استناداً إلى المادة 52/أولّا من الدستور، وهي فحص الوضع القانوني للنائب منذ تقديمه للترشيح إلى إعلان نتيجة الانتخابات وما بين انتهاء عضويّة عضو مجلس النواب، فإنّ ذلك يتمّ إذا توافرت الشروط يوم الانتخابات وزالت بعد ذلك. وإذا ثبت بأنّ عضو البرلمان ارتكب فعلاً مخالفًا فيه الدستور والقانون؛ فإنّ ذلك يتعلق بإنهاء العضويّة وإسقاطها، وليس عدم صحّتها فحسب، وعليه فإنّ حكم المحكمة في البت بالطعن بعدم صحّة عضويّة النائب يكون منشأً لا كاشفًا لذلك، بخلاف اختصاصها بالحكم لإنهاء عضويّة النائب استنادًا لأحكام المادة 12، من قانون مجلس لنواب وتشكيلاته الرقم 13 لسنة 2018 الذي يكون كاشفًا لحالة إنهاء العضويّة التي ثبتت بحكم القانون.

في الختام؛ قررت المحكمة الاتّحاديّة العليا الحكم إنهاء عضويّة كلّ من المدّعي "ليث مصطفى حمود الدليمي" والمدّعى عليه "محمّد ريكان الحلبوسي" بدءً من تاريخ صدور هذا الحكم في 14 /11 /2023. قراراً باتاً وملزماً للسلطات كافة استناداً الى المادة (94) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.

في الختام التعليق؛  نجد أنّ المحكمة الاتّحاديّة العليا قد أسهبت في قراراها، وهو أمر جيد للوقوف على مدى صحّة الادعاءات، ومذكرةً في بداية قراراها بأهميّة عضو المجلس، وفي نهاية قراراها أيضًا، واستعرضت المحكمة كلّ النصوص الدستوريّة التي خالفها المدّعى عليه، وتقف المحكمة عند كلّ نصّ وتزيل الغموض عنه، وهذا لغرض إحقاق الحقّ.

تجدر الاشارة إلى أنّ هنالك مخالفة لقانون مجلس النواب وتشكيلاته تحديدًا المادة 10/ سابعًا، ما يستوجب تطبيق المادة 12/ثالثًا من القانون ذاته. ويستوجب اللّجوء إلى المادة 93/ ثالثًا: "الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتّحاديّة والقرارات والأنظمة النافذة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السّلطة الاتّحاديّة، ويكفل القانون حقّ كلّ من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الأفراد وغيرهم حقّ الطعن بالمباشر لدى المحكمة".

وسبق للمحكمة أن أقرّت في قرراها، بالعدد 38/ اتحاديّة/2023، أنّ الخصومة توجّه إلى السلطات الاتّحاديّة والهيئات المستقلّة حصرًا، ولا يمتدّ ذلك إلى الوزارات أو غيرها، والسّلطة التشريعيّة هي إحدى السّلطات الاتّحاديّة، بالتالي تصحّ الخصومة.

مواضيع ذات صلة