آخر الاخبار

shadow

قرار العدد 9/اتحادية/ 2023، بوصفه جامعاً مانعاً

الدكتور حسن زهراو غانم

    عبارة منطقية تؤكد للمتلقي إحاطة القرار بكل ما يتصل به من حيثيات ومتعلقات، وجامعٌ لكل ما يمكن أن يُسهم في الاستدلال والإثبات، وهذا ما تجلت صورته في القرار الذي أصدرته المحكمة الاتحادية العليا بالعدد 9/اتحادية/ 2023 ، والذي جاء فيه النص بإنهاء عضوية رئيس مجلس النواب، وقد تضمن مجموعة من المبادىء الاساسية التي استندت عليها المحكمة بعد التدقيق والمداولة من أعضائها لتخرج بهذا القرار الذي شكل واقعاً ليس بالغريب عما يُفترض بالسلطة القضائية حال ممارسة اختصاصاتها ومهماتها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات، فما أبرزه دستور العراق لعام 2005 من خصوصية ومراعاة لما تقدمه هذه المحكمة من قرارات وأوامر باتة وملزمة لجميع السلطات، كما أشارت لهذا المضمون (المادة 94) من الدستور، ففي (المادة92/أولاً ) جاء وصفها (المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية مستقلة مالياَ وإدارياً)، وأما عن قضاتها الأفاضل فهم من الصنف الأول الذين عرفوا بالنزاهة والكفاءة والخبرة القضائية المتنوعة، فمسار أي قرارٍ يصدر عنهم يخضع في جميع جوانبه للبحث والتدقيق حتى يصل الى مرحلة نهايته القطعية بالصورة التي تجعله مكتملاً ومحيطاً بمقصدية الموضوع المراد إصدار القرار بحقه،

فالقرارالذي نحن بصدده اكتسب جديّة هذه المضامين بما احتواه من مبادىء دستورية، ومرتكزات قانونية، وأخرى تتعلق بطبيعة الانظمة ومفاهيم العملية الديمقراطية، والعطف على ما تضمنته أحكام المواد الدستورية المتعلقة بحرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية أو الانضمام إليها، وغير ذلك ممن يُعضّد الاستدلال في القرار آنف الذكر

ولمزايا الصياغة اللغوية في قرارات المحكمة الاتحادية العليا عموماً نصيبٌ من الإجادة والتَمكّن الصياغي اللغوي - وهذا القرار مثالاً واضحاً- حيث تتوضح صور التماسك النصي في تقديم المضمون المراد عرضه في هذا القرار، فمن خلال متابعتي وتدريسي اللغة العربية وتحديداً تلك الاستخدامات اللغوية الوظيفية في صوغ الحكم القضائي وبيان فاعليتها في ضبط النص القانوني، إذ في بنية هذا القرار ولغته الإلزامية ظهرت صياغة في خصوصية لغة القانون ضمن ما اصطلح عليه في علم التماسك النصي بـ: القاعدة القانونية الآمرة والمتماسكة التي اختارها المُشرِّع لإيصال قرار حكمه، حيث جاء قرار الحكم آنف الذكر-على امتداد صفحاته متضمناً لمبادئ دستورية مع عرض استدلالي، فضلاً عن الإجابة الضمنية لكل ما يمكن أن يُثار من أسئلة واستفسارات، وهذه القصدية إنما مبعثها أن دلالة القرار الدستوري إنما ترتبط بعباراته المكونة له، وهو ما فعلته المحكمة الاتحادية العليا لتخرج بجملة من المبادئ التي استهدفت في حكمها حماية الدستور وعدم انتهاكه، وعلى حدّ تعبيرها حيث استهلت - في الصفحة 7 من القرار- إجراءات تدقيقها بعبارة نوجز منها الآتي: لننعطف بعدها الى ذكر المبادئ الدستورية التي تضمنها القرار،

 (إن الشعوب تنظر إلى السلطة التشريعية بالقداسة والاحترام لما لهذه المؤسسة التشريعية من قدرة وإمكانية وصلاحيات قادرة بها ومن خلالها إلى أن تدفع البلاد والعباد أشواطاً للأمام أو تقودها إلى الوراء....)

* بعض المبادئ الواردة في  قرار (العدد 9/اتحادية/ 2023) : 

 (1-ان قيام رئيس أي حزب بإجبار المرشحين التابعين له بتقديم طلبات استقالة والاحتفاظ بها واستخدامها متى شاء يخالف المبادئ والقيم الدستورية واحكام المواد (5 و6 و14 و16 و17 و20 و39 و50) من الدستور ويمثل انحرافاً كبيراً في العملية الديمقراطية عن مسارها الصحيح لم تألفه اغلب برلمانات دول العالم، ولا يمكن بأي حال اختزال ارادة الشعب المتمثلة بمجلس النواب العراقي بشخصية رئيس البرلمان.

2-للمحكمة الاتحادية العليا الحكم بإنهاء عضوية النائب في مجلس النواب الذي انتهت عضويته بموجب القانون والكشف عن ذلك بموجب قرار حكمها اذا ما خالف التزاماته الدستورية والقانونية استناداً لأحكام الدستور والقانون، ولا سيما قانون مجلس النواب وتشكيلاته، ويقف في مقدمة تلك المخالفات الحنث باليمين الدستورية وللمحكمة الاتحادية العليا سلطة تقديرية مطلقة في تقدير ذلك وفقاً للوقائع والادلة والتحقيقات التي يتم اجرائها من قبلها.

3-اختصاص المحكمة الاتحادية العليا في البت بالطعن بصحة عضوية النائب والحكم الصادر بخصوص ذلك يكون منشأً لإنهاء العضوية لا كاشفاً لذلك بخلاف اختصاصها للحكم بإنهاء عضوية النائب تطبيقاً لأحكام المادة (12) من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018 الذي يكون كاشفاً لحالة انهاء العضوية التي ثبتت بحكم القانون وان المدعى عليه رئيس مجلس النواب قام باستخدام طلبات استقالة مقدمة من المدعي بعد قيامه بالتحريف والتغيير عليها مما يوجب انهاء عضويته.

4-لا يمكن الركون الى احكام المادة (52) من الدستور عند ثبوت ارتكاب عضو البرلمان مخالفات دستورية وقانونية ولا سيما الحنث باليمين المنصوص عليه بالمادة (50) من الدستور لعدم امكانية استمرار عضويته في المجلس الامر الذي يقتضي الحكم بانتهاء العضوية واسقاطها) .

وبمثل هذه المقاصد المذكورة أعلاه توسعت صياغة لغة القرار- مدار البحث- لتطابق المجال المنطقي لها، فجاء المعنى في القرار بلا تكلف أو مبالغة، وانساق كاشفاً عن مضمونه ، ولم نشهد فيه تكراراً ؟

مع أن وظيفة التكرار الدلالية يمكن وصفها بأنها: وسيلة للتماسك المعجمي في النص القانوني، وقد يتجه التكرار أيضاً الى تصاعد التكثيف في لغة القانون، بمعنى أن الكلمة المكررة في النص القانوني تكون أقوى من الكلمة الوحيدة، وهذا الامر على غير ما معهود في النصوص الأدبية التي تكتسي ظلالاً شعورية وإيحاءات دلالية متنوعة.

وباختزال مقصود يراعى فيه كتابة المقال نكتفي عند عبارة الجامع المانع الذي قدمنا به هذا القرار، وختمنا ببعض ما حمله من رؤى ومبادئ أسهمت في إرساء العدالة وأكدت على (إن الغاية من تمثيل النائب للشعب العراقي هو لغرض تحقيق مصالح ذلك الشعب وليس تحقيق مصالح النائب ...)   

 

مواضيع ذات صلة