آخر الاخبار

shadow

تعليق على قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم ( 49 وموحدتها 83/اتحادية/2022)

د.احمد طلال عبد الحميد البدري

 

اصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها المرقم (49 وموحدتها 83/ اتحادية / 2022) في 21 / 9 / 2022  والمتضمن بعدم صحة الفقرتين (2،3) من قرار مجلس الوزراء رقم (109) لسنة 2020 والقرار رقم (211) لسنة 2021 المتضمن الموافقة  على استكمال خطوات تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية من خلال مجلس ادارتها لاختيار مكتب متخصص لعمل الهيكل الاداري وتصنيف المهمات تمهيداً لفك ارتباطها عن وزارة النفط وتكليف وزير النفط (اضافة لوظيفته) بمهام رئيس الشركة (اضافة لوظيفته ) ، اذ سبق وان اصدرت المحكمة قرارها المرقم (66 وموحدتها 71و157و224 /اتحادية /2018) في 23\1\2019 بعدم دستورية بعض فقرات من مواد قانون شركة النفط الوطنية العراقية رقم (4) لسنة 2018 وبقيت الفقرات المحكوم بعدم دستوريتها دون اي اجراء اوتدبير تشريعي من جانب مجلس النواب العراقي ، مما دفع مجلس الوزراء الى اصدار القرارات اعلاه لترويج مقترح قانون التعديل الاول مع اتخاذ اجراءات تنفيذية بحجة تعويض النقص التشريعي الذي تركه تراخي المشرع عن تعديل القانون وفقاً لقرار المحكمة الاتحادية العليا ، حيث قررت المحكمة الغاء هذه القرارات لعدم وجود نص تشريعي يخول الجهات التنفيذية القيام بهذه الاجراءات ومنها تكليف وزير النفط برئاسة الشركه والاستمرار باجراءات تأسيسها حيث جاء في حيثيات قرارها (  ...وحيث ان مشروع القانون الذي قدم الى مجلس النواب بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (66 وموحدتها 71و157و224 /اتحادية /2018) لم يتم التصويت عليه فأن الشروع بإكمال تأسيس شركة النفط الوطنية يتعارض مع ذلك ، ولذا يكون قرار مجلس الوزراء رقم (109) لسنة 2020 يمثل تطبيقاً غير سليم لأحكام الدستور والقانون وحيث ان المحكمة الاتحادية العليا تفصل بالقضايا الناشئة عن تطبيق القوانين الاتحادية والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطات الاتحادية بموجب المادة (93/ثالثاً) من الدستور ولكل ما تقدم قررت المحكمة الحكم بعدم صحة الفقرتين (2و3) من قرار مجلس الوزراء المرقم (109) لسنة 2020 والقرار (211) لسنة 2021 المترتب عليهما والغائها ....) ، ومن استقراء القرار المذكور تستبين لنا الملاحظات الاتية :

1. تضمن قرار المحكمة الاتحادية العليا مفهوماً جديد للمصلحة كشرط لقبول الدعوى الدستورية اوسع نطاقاً واكثر مرونة ، ويمكن القول انها قد استجلت المصلحة من الضرر العام الذي يصيب المجتمع والاقتصاد العام اذ جاء في حيثيات قرارها (...لا تقبل الدعوى الدستورية من غير الاشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم وان واجب المحكمة الاتحادية العليا وبموجب الدستور ان تباشر ولايتها في الامور التي التي تؤثر على حياة الافراد وحرياتهم واموالهم التي رسمها الدستور بما يكفل فعاليتها وبما يضمن التطبيق السليم للقانون وتحقيق المصلحة العليا للشعب باعتبار ان دستور جمهورية العراق لسنة 2005 وليد ارادة الشعب استناداً للمادة (14) من الدستور التي نصت على ( يعد هذا الدستور نافذاً ، بعد موافقه الشعب عليه بالاستفتاء العام ،....) ،ولم يوضع الدستور لمصلحة جهة سياسية معينة او طائفة او قومية .......، وذلك ان المصلحة تتحقق من خلال الالتزام بالدستور وعدم تجاوزهه لاي سبب ، وان عدم الالتزام بالدستور يمثل خروجا عن ارادة الشعب وبالتالي فأن اي سلطه تتجاوز احكام الدستور الذي اوجدها تفتقد شرعيته وجودها ....، لذا فأن المصلحة في الدعوى الدستورية مصلحة قانونية يصونها الدستور ويحميها ولا يشترط ان ترد الحماية للمصلحة بنص صريح في الدستور وانما يمكن للقاضي ان يصل اليها عن طريق القياس او بالنظر الى المبادىء الدستورية ...) ووفقاً للنص المتقدم فأن المحكمة خرجت من نطاق المصلحة الشخصية والضرر الشخصي كشرط لقبول الدعوى الدستورية الى نطاق المصلحة العامة والضرر العام المتوقع من النصوص والتدابير التشريعية او التدابير التنفيذية التي تشكل مخالفة وخرق للدستور وبالتالي مخالفة لإرادة الشعب الذي صوت عليه .

2. اكدت المحكمة الاتحادية العليا على مبدأ حرمة المال العام وواجب حمايته على كل مواطن المنصوص عليه في المادة ( 27 / اولاً) من الدستور المادة (71) من القانون المدني النافذ ، واكدت على حق المواطن في دفع الضرر الذي يلحق بالمال العام والذي يتحول بالنتيجة الى ضرر خاص يتمثل بانخفاض المستوى المعاشي وانتشار الفقر وانعدام الخدمات ، وهو اتجاه سليم يؤكد حرص المحكمة على صيانة الدستور والمال العام والمصالح الاقتصادية للمواطنين التي تتعرض للضرر الخاص عند تعرض المال العام للضرر ، وكنا نتمنى لو اشارت المحكمة الى ان الاصل في الاموال التي تملكها الدولة هي اموال خاصة وتكتسب صفة العمومية اذا ما تم تخصيصها بالفعل او بمقتضى نص القانون لأغراض الجمهور او المنفعة العامة ، وتظل صفه العمومية لصيقه بالمال الذي يخصص للمنفعة العامة حتى ينتهي هذا التخصيص فيعود المال لأصله مملوكاً ملكية خاص ، وانتهاء التخصيص قد يكون فعلا بقرار من الحكومة او بانتهاء الغرض من تخصيصه او بزوال التخصيص بعدم صلاحية المال للاستعمال ، وذلك لاختلاف احكام التصرف والحماية المقررة لأموال الدولة العامة عن اموال الدولة الخاصة او ما يطلق عليه مصطلح (الدومين الخاص) ، فلكل نوع من هذه الاموال المملوكة للدولة احكاماً خاصة ، ولذلك يفضل استخدام مصطلح (اموال الدولة ) بدلاً من (الاموال العامة) لتشمل هاتين الفئتين من الاموال المملوكة للدولة ، كما ان حماية اموال الدولة لا تقتصر على الاموال العامة وانما تشمل الخاصة المملوكة لها ايضاً.

3. اشارت الفقرة (ثانياً) من قرار المحكمة الى الاغفال التشريعي في قانون هيئة النزاهة والكسب غير المشروع رقم (30) لسنة 2011 المعدل بالقانون رقم (30) لسنة 2019  كونه لم يتضمن مصطلح (المال العام) في متن القانون الا ضمن الاسباب الموجبة حيث جاء في حيثيات القرار ( ...وهذا يدل على عدم وضوح رؤية المشرع في ذلك وكان المقتضى من المشرع العراقي توسيع قاعدة الحماية لجميع الاموال العامة التي تخصص للمنفعة العامة ، وان عدم ايجاد السبل الكفيلة للحفاظ على المال العام الذي يمثل في حقيقيته ملك لجميع ابناء الشعب من قبل الجهات المكلفة قانوناً بذلك يمثل خرقاً لاحكام المادة (27/ اولاً) من الدستور ، كما ان عدم تحقيق ذلك يؤدي الى غياب العدالة الاجتماعية بسبب عدم حصول الشعب على حقوقهم من ثروة شعبهم ...) ، وبرغم كون هذه الفقرة كاشفة للاغفال التشريعي ولم تتضمن ايعازاً للمشرع لمعالجة هذا الاغفال الان هذه الفقرة ملزمة التنفيذ ويتوجب على مجلس النواب معالجة هذا الاغفال ، وندعو هيئة النزاهة الاتحادية للتحرك لإعداد مقترح قانون تعديل وفقاً لما جاء في الفقرة الحكمية سابقة الذكر عند توفر الظروف الدستورية الملائمة لتحريك مشاريع القوانين ، كما ندعو مجلس النواب لذات الغرض.

4. اشارت الفقرة (ثالثاً) من القرار الى فكرة ( تسلب المشرع من اختصاصه التشريعي ) بصورة غير مباشرة ، والتسلب من الاختصاص يعني تخلي البرلمان عن ممارسة اختصاصه التشريعي من خلال التخفف من عبء ممارسة اختصاصه التشريعي وبالتالي يتنازل عنه بطريقه غير مباشرة عم ممارسة اختصاصه التشريعي، ويتحقق من خلال افراط البرلمان في تفويض اختصاصه التشريعي او ما يعرف بـ (الاحالة التشريعية) او من خلال ما يعرف فقهاً بـ (التفويض التشريعي المبطن) الذي يمكن ان يتحقق من خلال عدم معالجة البرلمان للإغـفال التشريعي او النصوص القانونية الملغاة لعدم دستوريتها تاركاً المجال للسلطة التنفيذية لمعالجة هذا النقص او الفراغ او انعدام النص من خلال تدابير تنفيذية كما حصل بالقرارين الصادرين عن السلطة التنفيذية التي تم الغائهما من قبل المحكمة الاتحادية العليا حيث جاء في حيثيات قرارها ( .... ولذلك لا يمكن عند الحكم بعدم دستورية مواد معينة من القانون تعويض تلك المواد من قوانين اخرى وانما يجب ان تراعى ارادة المشرع واختصاصه بتشريع مواد اخرى تحل محلها ، وان القول بخلاف ذلك يسلب السلطة التشريعية جزءاً من اختصاصاتها الدستورية ولاسيما ان القرارات والاحكام الصادرة من المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة استناداً للمادة (94) من الدستور....) ، ومما تقدم فأن المحكمة الاتحادية العليا قد شخصت عدم قيام المشرع بواجبه التشريعي بتعويض النصوص الملغاة من قانون شركة النفط الوطنية العراقية رقم (4) لسنة 2018 ، وهذا دفع السلطة التنفيذية لاتخاذ تدابير تنفيذية بحجة تعويض النصوص وبذلك كشفت المحكمة عن مخالفتين للدستور الاولى من جانب البرلمان الذي لم يعوض النصوص الملغاة ، والثانية من جانب السلطة التنفيذية التي اتخذت تدابير تنفيذية مخالفة للدستور ،  ووفقاً لقرار المحكمة الملزمة يتوجب على البرلمان معالجة الموضوع تشريعياً ، مع ضرورة ايجاد الية تشريعية لمحاسبة الجهات الممتنعة عن تنفيذ قرارات المحكمة الاتحادية العليا الملزمة لان هذا الامتناع يشكل مخالفه للدستور ...والله الموفق

د.احمد طلال عبد الحميد البدري

1/10/2022

مواضيع ذات صلة